هل تُصغي بريطانيا لحديث كارتر عن الإخوان؟!
هل تُصغي بريطانيا
لحديث كارتر عن الإخوان؟!
حسام مقلد *
كشف الانقلاب العسكري في مصر الجميع وعرَّاهم أمام أنفسهم وأمام التاريخ!! وإذا كان العرب والمسلمون في مرحلة هزيمة وانتكاسة حضارية الآن فليتذكر الغربُ المنتصر عدلَ الإسلام وإنصافَه معهم، ففي الحديث: قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بن شَدَّادٍ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رضي الله عنهما ـ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» (الروم أي الغرب) فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ!! قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ! قَالَ عَمْرٌو: "لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ فإِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ". (رواه مسلم).
هكذا أثنى عمرو بن العاص خيراً على الروم، وذكر فضائلهم ومحاسن شمائلهم التي عُرِفُوا بها، ويبين هذا الحديث لنا بوضوح حرص الإسلام البالغ على العدل والإنصاف حتى مع الخصوم، وذلك انطلاقا من قوله تعالى: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"(المائدة: 8).
وإذا كان الكثيرُ من المصريين والعرب والمسلمين قد حملهم بُغْضُهم وشنآنهم للإخوان على ظلمهم والبغي عليهم فإننا نرجو أن تتغلب في النهاية نوازعُ الخير داخل النفس الإنسانية ليثوبَ الجميع إلى رشدهم ويحكِّموا ضمائرهم فيما يقولون وفيما يفعلون!
ولعل من العجيب أن نبحث عن العدل والإنصاف مع الإخوان عند غير العرب والمسلمين بعد أن ظلمهم بنو جلدتهم، ولنتساءل: هل سيتحلى البريطانيون بالعدل والإنصاف مع الإخوان أم سيحملهم بغضُهم وكراهيتُهم لهم على ظلمِهم والانتقام منهم، ففي خطوة مفاجئة واستجابة لضغوط خارجية شديدة أعلنت الحكومة البريطانية فتح تحقيق عاجل فيما يتعلق بتنامي نشاط جماعة الإخوان في بريطانيا، وطلبت مما سمتها بالجهات المهتمة المشاركة بالإدلاء بإفاداتها في الموضوع، لإعداد تقرير بشأن الجماعة وسياسة الحكومة البريطانية تجاهها!!وسيتولى التحقيق السفير البريطاني السابق (جون جنكينس) المعروف بكراهيته للإخوان!!
وقد أكد الكاتب البريطاني ذو الأصول الهندية (كنان مالك) في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن تحقيقات لندن حول أنشطة الإخوان المسلمين عديمة الجدوى, ولن تفيد في حماية بلاده من الإرهاب، وقال: ليس هناك أية أدلة تشير إلى أن جماعة الإخوان متورطة في أي هجوم إرهابي في بريطانيا, بل يتم معاقبتها فقط بسبب مقاومتها للأنظمة الاستبدادية، وتساءل الرجل في دهشة: "هل يمكن أن يحدث في الغرب أن رئيس جمهورية منتخب يتم عزله من قبل الجيش، ويتم إعلان حزب الرئيس منظمة إرهابية، ويقتل العشرات (بل المئات والآلاف...) من المتظاهرين في الشوارع، ويُسجن الآلاف من الناس ويُحكم على مئات الأبرياء بالإعدام ؟!!"(في 30 دقيقة فقط من المحاكمات الصورية حُكِمَ على أكثر من 1200شخص بالإعدام).
كما انتقد الكاتب البريطاني (سيمون تسيدال) في مقال له بصحيفة "الجارديان" البريطانية قرار بلاده إجراء تحقيق حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين, وعدَّه استجابة لضغوط من سماهم حلفاء الانقلاب في مصر, وطالب الحكومة البريطانية بالالتزام بحماية اللاجئين السياسيين, وعدم الاستجابة للضغوط الخارجية بشأن الإخوان!!
ولعل البريطانيين يقتدون بعدل وإنصاف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ويستفيدون من شهادته في الإخوان والانقلاب، ومن أقواله:
· "يتهم الانقلابيون الإخوان المسلمين بالإرهاب، وهم ليسوا كذلك، بل مازالوا هم الطرف الأقوى في مصر".
· "يبقى الرئيس محمد مرسي كلمة السر في أي حل يُرضي جميع الأطراف في مصر".
· "إن العسكر في مصر هم الطرف الأضعف، بل والأكثر ضعفا، فالسياسة تقول: إن الطرف الأقوى هو الذي يفرض دائما أمرا واقعا، نعم هناك انقلاب وربما يظن البعض أنه أمر واقع فرضه الجيش باعتباره الطرف الأقوى في المعادلة، لكن بالخبرة السياسية الحقيقةُ غيرُ ذلك،فمؤيدو مرسي وأنصار الشرعية هم من فرض في مصر أمرا واقعا تجلَّى طيلة الأشهر الماضية..."
· "تم اختطاف الرئيس محمد مرسي واعتقال قادة الإخوان، وحبسهم في أماكن غير آدمية، ومعاملتهم كما لو كانوا إرهابيين وهم ليسوا كذلك".
· "لقد ظلمتُ المصريين حين كنت وسيطا في معاهدة كامب ديفيد عندما كنت أحكم أقوى وأهم دولة في العالم، ولا يمكنني اليوم أن أظلم المصريين مرة أخرى وأساهم ولو بالصمت في حرمانهم من مستقبل أفضل في بلد ديمقراطي ينهض ويكتفي ذاتيا مما يشاء".
· "انتُخِب مرسي رئيسا وراقبنا جميعا الانتخابات وراقبت أنا بنفسي سير العملية الانتخابية فكانت أفضل من كثير من بلدان أوروبا، بل وراقبها معنا الجيش المصري، فكيف إذن وبأي عقل وبأي منطق يعزل الجيش الرئيس، ويحل مجلسا منتخبا، ويعطل الدستور، ويقتل الآلاف ممن خرجوا بالملايين اعتراضا على ما فعله الجيش؟! من يقبل هذا؟! وبأي أخلاق تدافعون عنه يا أعضاء الكونجرس؟!هل تستمتعون حين تحرمون بلدا من ديمقراطيته لمجرد هواجس وقلق من أن تخرج مصر من تحت طوعكم؟!"
· وصل محمد مرسي لحكم مصر، وفوجئت به أمريكا وفوجئ به العالم يسعى إلى الصعود بها في ظل حرب سياسيه داخليه تسعى فقط لإفشاله!!
· أنا على يقين بأن الإعلام في مصر لو كان يعرض ما يجرى بالضبط في عهد مرسي وبشكل حيادي لأصبح مرسي زعيما كبيرا، ولانتعش اقتصاد مصر...!!
لقد حظي المصريون ـ على المستوى الشعبي ـ بعد الانقلاب العسكري بقدر من التعاطف العالمي مع ديمقراطيتهم الموؤودة، فهل ستتحلى الحكومة البريطانية بالشجاعة وتقف إلى جوار الشرعية في مصر، وتكون عادلة ومنصفة في موقفها من الإخوان المسلمين؟!! لاسيما وأنها ربما تكون الدولة الوحيدة التي تعرف عنهم كل شيء منذ نشأتهم وحتى الآن!! وليتذكر البريطانيون وغيرهم حكم التاريخ وحكم الأجيال القادمة من البشر عليهم... فما نزال حتى الآن نذكر رغم مرور قرون طويلة عدل الإسلام في تعامله مع الآخرين، ووصفه خصال الروم الحسنة... وفي المقابل لم تنسَ البشرية وحشية الأوربيين مع الهنود الحمر الذين أبادوهم ودمروا ثقافاتهم بلا رحمة... فليختر كلٌّ منا لنفسه: هل يقف مع العدالة والشرعية والمبادئ وقيم الخير والحق أم ينصر الباطل طمعا في مغنم أو لمجرد كراهية الحق وأهله؟! ومؤكد أن البريطانيين يعرفون أن مصالحهم الاستراتيجية هي مع شعوب المنطقة لا مع حكامها المستبدين ...!!
* كاتب إسلامي مصري