القصة الكاملة لملاك أراضي مشروع الجزيرة
القصة الكاملة
لملاك أراضي مشروع الجزيرة
سليمان عبد الله حمد
منقول عن الصحف السودانية ـ الراكوبة
أنسكب مداد قلم أستاذنا / حبيب فضل المولي عن حقوق مُلاك الأراضي بمشروع الجزيرة واحدة من أبرز القضايا الشائكة إن لم نقل إنها مظلمة تاريخية كما يراها البعض في حق المزارعين بالولاية .. فالمشروع الذي يعد من أكبر مشاريع الري في إفريقيا والعالم بمساحة تقدر ب2,2مليون فدان تم افتتاحه فى العام 1925 بعد اكتمال إنشاء خزان سنار وحفر الترع والقنوات الفرعية حيث استأجرت الحكومة البريطانية آنذاك الأراضي من ملاكها على أن تدفع لهم مقابل الأرض .. استمر الوضع حتى العام 67 ، وقد بلغت شهرة المشروع الزراعي أصقاع العالم وأصبحت بذلك الجزيرة مقصدًا لجذب العمالة من الداخل والخارج « دول إفريقيا المجاورة » ووضع المشروع السودان في مقدمة الدول الإنتاجية في العالم .. بدأت مشكلة مُلاك الأراضي إبان قرار الرئيس الأسبق جعفر نميري الذي أفضى إلى حرمان المزارعين من استحقاقاتهم كمُلاك للأرض وجراء تلك السياسات التي استهدفت المشروع تراجع إنتاجه وطاله التدهور ، وفي العام 1990 بلغ التدهور حدًا كبيرًا إذ انعكست سلبيات الحصار الاقتصادي على السودان جراء أزمة حرب الخليج وموقف البلاد منها وتقلص الإنتاج في القطن من مليون فدان إلى مائة ألف بعدها فقد السودان اسمه من قائمة الدول المصدرة للقطن في الأسواق العالمية .
ومع مرور الوقت أبدت حكومة الإنقاذ جملة إصلاحات ضمن اهتمامها بالمشروع والزراعة حيث وضعت قضيته قيد النظر فصدر قانون 2005م .
ولعل تدهور المشروع أفقد المزارعين الأمل في عودته كما كان في السابق، فمنهم من ترك المجال ومنهم من ظل ينظر إلى تخبط الإدارة وحيرتها أمام فقدان الأسس والبنيات التحتية له ، ومع تفاقم الأزمة طالب المزارعون بحقوقهم خاصة مُلاك الأراضي باعتبارهم متضررين من السياسات التي طالت المشروع فكُوِّنت إزاء ذلك لجان عدة للمطالبة على مستوى رئاسة الجمهوريه فانفتحت آمال بتلك التعويضات والحقوق إبان زيارة الرئيس البشير إلى ولاية الجزيرة في العام 2007 حيث أصدر توجيهًا بتعويضهم وتمت متابعة التوجيه في المجلس الوطني في موازنة الأعوام 2009 و2010 وأخيرًا أكمل النائب الأول علي عثمان المسؤول عن النهضة الزراعية إنفاذ القرار حيث أعلن عن تعويض ملاك الأراضي ابتداء من شهر مارس الجاري ليفك بذلك طلاسم أزمة استمرت من العام 68 حتى العام 2010 حيث تنفس المزارعون الصعداء وانفتح أمامهم الأمل بإعادة حقوقهم.
ملاك الأراضي .. حديث المظلمة والرجاء
عقب إعلان تعويض الملاك خلال مارس الجاري أبدى المزارعون فرحتهم باعتبار أن القرار رد لهم مظالمهم التي طال أمدها .
المزارع أحمد هجانا محمد من ود حسين الخوالدة أحد الملاك التابعين للري 15 المدينة عرب قال إن قضيتنا كملاك حق شرعي عُرف منذ العهد البريطاني بالسودان الذي منح المزارعين كروتًا يتم عبرها دفع استحقاقات الملاك باعتبار أن الدولة استأجرت أراضيهم واستمر الحال ولم نواجه إشكالات حتى حكومة نميري ولم تحل القضية منذ ذلك الوقت من قِبل الحكومات المتعاقبة والحمد لله الآن الإنقاذ أعلنت التزامها بتعويض الملاك وبدأت في التنفيذ وهذا نعتبره كملاك ومزارعين إنجازًا تاريخيً لها ، ويرى هجانا أن تعويض الملاك يجيء في ظروف صعبة حيث عانى المزارعون وتدهور المشروع ولعله بذلك يُنعش أمل الإنتاج فيهم من جديد ولو بالتقسيط المريح للدولة من 15% إلى 25% مطالبًا بإدخال المصانع والبنى التحتية التي تدهورت ولم تعد موجودة بالمشروع لدفع عملية الإنتاج .
: أملك أكثر من أربعين فدانًا وأحتاج لما آكله
يوسف مصطفى حمدان أحد الملاك بدا وكأنه أكثر المزارعين تضررًا من السياسات السابقة التي طالت المشروع قال للصحيفة : أنا أملك حوالي أربعين فدانًا ولا أملك اليوم سوى الشهادات والكروت التي ورثتُها أبًا عن جد وليس لديَّ ما أزرع به بل تعطل إنتاجنا منذ العام 69 وحتى اليوم وتضررت طوال هذه الفترة ونحتاج إلى ما نأكله وأطالب الدولة بحقوقي كاملة لأن الحكومة في آخر قانون حضره جدي في العام 27 كانت تدفع لنا وهذا القرار الذي سمعنا به أثلج صدورنا ونتعشم أن ترد الدولة لنا حقوقنا لنستعيد طاقاتنا الإنتاجية .
جئنا من الخرطوم ولم نطلع بشيء مفيد
محيي الدين حسن عبد الله أحد الملاك قال : قرأت الخبر في الصحف وسمعته من النائب الأول وسعدت كثيرًا وحزمت أمتعتي على جناح السرعة إلى مقر إدارة المشروع ببركات علِّي أستطيع أن أجد عوضًا من حقوقي كمالك أرض استأجرتها الدولة مقابل أن تدفع لنا فأصبحت قيد المصادرة منذ 67 وحتى الآن ، وسبق أن حصرت الإدارة أسماءنا فى العام2005 وهاهي أوراقنا تراها أمامك مضت عليها سنوات وتفاجأت الآن أن اللجنة الفنية والإدارة تقول لم نتسلم أية مبالغ للتعويض حتى الآن ، وهي بالنسبة لي مفاجأة أن تلتزم الدولة بدفع المستحقات هذا الشهر وتنفي الإدارة!! بصراحة نحن كملاك ومزارعين سئمنا من هذه الوعود ويكفي ما قضيناه من زمن نرى فيه أراضينا بأعيننا تُستخدم ولا نجد عائدًا فلمن نشتكي؟! ورغم ذلك نأمل أن يعود المزارع بالجزيرة إلى عهده الأول كدعامة اقتصادية قومية .
أملك 700 فدان وأتفاءل برد حقوقي.
عمنا المزارع البشير حاج محمد وهو من كبار الملاك بالمشروع قال لنا: ورثت الأرض عن أبى وأخذتها إدارة المشروع وتوقف التعويض مده طويلة، وأنا أتوقع أن ترد حقوقنا فى عهد الرئيس البشير فهو وعدنا في الفترة الماضية بتعويضنا وأنا متفائل جدًا بالتعويض وكل أوارقي الآن موجودة بهذا الملف وسيساعدنا التعويض في استصلاح ماتبقى من أراضٍ .
مدير مشروع الجزيرة البروف صديق عيسى يشرح القضية
قال البروفيسور صديق عيسى مدير المشروع في حديثه أن) عن قضية الملاك التعويضات بالمشروع واحدة من المحاور الأساسية للنهضة الزراعية وهي أن تعزز الصادرات غير البترولية وبالتالي من الضروري عودة مشروع الجزيرة كما كان عليه ، وجزء من تدارك هذا الأمر قصة الملاك وكيفية إعادة المزارع إلى وضعه الطبيعى وعلاقتة بالإنتاج ولعل النائب الأول لرئيس الجمهورية وجه بأن الموسم القادم ستكون الخطوة لتنفيذ عودة المشروع وذلك يسبقه تعويض الملاك ، وبدأت خطوات جادة في حقوق الملاك وهي توفيق أوضاعهم عقب البرنامج التنفيذى الذي وافق عليه مجلس الإدارة والمشتمل على 13 بندًا أولها مراجعة ملاك الملك الحر بالإعلان والإقران وتسجيل تمليك الحواشات وغيره ، وستستمر اللجان المكلفة لإنهاء ترتيباتها بشأن الملاك وسيتم تعويضهم بعدها ونتوقع أن يكون الموسم الحالي والمقبل أعلى إنتاجية وذلك بشهادة المزارعين أنفسهم .
إشكالات المُلاك الوراثية
ذكر البروف عيسى أن تقسيم الأراضى بمشروع الجزيرة يحكمه قانون1927 والقانون الجديد 2005 في العام 27 تم نزع إجباري لكل الأراضي من المزارعين وتم دفع البطاقة لأصحاب الملك الحر وتم تكوين لجنة في ذلك الوقت وحددت قيمة أجرة الأرض واستمر الأمر وتعاقبت الأجيال وبالتالي الأملاك تحتاج لمراجعة .
أما قانون2005 فوجه أن الأراضي التي تم إنشاء بنى تحتية فيها كقنوات الري ومباني الإدارة والمكاتب للتفتيش وهي أصبحت ملكًا للدولة وتحتل 420 ألف فدان وهناك أراضٍ ملك حر تقدر بـ883 ألف فدان مؤجرة من أصحابها لإدارة المشروع ثم هناك حواشات مخصصة لأصحابها تقدر بـ400 ألف فدان بقيت المساحة1,800 فدان تم تخصيصها للمستصلحين وهم يسددون الأجرة للملاك بواسطة إدارة المشروع ظلت تدفع للملاك حتى 81 بعدها وقفت وزارة المالية عن السداد ..
القانون 2005 جاء لتوفيق أوضاع أرض المشروع وهو ما نحن بصدده الآن من تعويض للملاك وهذا يتطلب وقتًا، وأحسب أنه ليس ببعيد فقط هناك تعقيدات يجب حسمها بواسطة اللجان الفنية .
رئيس اللجنة الفنية أبو بكر التقي ماذا قال؟
أبو بكر قال : نحن فى اللجنة الفنية بإدارة المشروع نقدر تمامًا رغبة الملاك فى استعادة حقوقهم وتعويضاتهم وهذا ما سعينا له، والآن نحن في إجراء البند الأول مرحلة ما قبل التعويض وهي تتعلق بمراجعة مساحات الملك الحر وبعد الانتهاء من ذلك سوف نستقبل المزارعين وفقًا لجدول زمني سنعلنه بالصحف اليومية حسب مكاتب التسجيلات ، وعلى الملاك والمزارعين إحضار الشهادات الثبوتية والتوكيلات الشرعية ، واللجنة الآن تدرس توفيق التعويضات وفقًا لقرار الرئيس ولم تتسلم مبالغ من التعويضات حتى الآن فقط يجري الترتيب على قدم وساق .
إشكالات حكاها المزارعون لا تزال تهدد الإنتاج
وبالرغم من المعالجات التى جرت فى القانون الجديد إلا أن هناك عدة إشكالات لا تزال تشكل عائقًَا أمام المزارعين ويرى المختصون والمسؤلون بإدارة المشروع أنها نتاج طبيعي لعدم تفهم النظام الحديث وهو ما يخشاه المزارعون ومراقبون من عودة النظام السابق حيث تزداد المعاناة فى كل مرحلة .
المزارع عبد الوهاب عباس أحمد التابع لمكتب كاب الجداد بمحلية الحصاحيصا عدّد الإشكالات التى واجهت المشروع فى الآتي :
- عدم وجود الإدارة الحاسمة والفاعلة إذ إن المزارع أصبح على كيفه وهناك من يقومون بأخطاء منهم ولا أحد يحاسب خاصة ما يتعلق بالمياه .
- الآن نحن فى كاب الجداد والمعيلق نواجه شح المياه حيث لا تعمل الوابورات وهذا عطش خطير يهدد الإنتاج، والآن هناك قمح وقطن من المحتمل ان يفشل لهذا العام بسبب المياه .
ويزيد الرجل أن هناك أخطاء مشتركة
فالمزارعون تم تحذيرهم من عدم زراعة بعض التلات إلا أنهم عاندوا وهذا له أثر كبير .
ويكشف عبد الوهاب أن هناك بذورًا جاءت عن طريق البنك الزراعي وهي مغشوشة تمت زراعتها ولكن دون جدوى لم تنبت على الإطلاق ويوجد قمح في بعض المزارع يعاني تدهورًا شديدًا ومعظم المزارعين أرجعوا الأمر لبذور البنك .
ويورد بشأن الملاك والتعويضات أنهم فى انتظار تنفيذ القرار وهو ما بقي لهم من أمل فى المشروع .
قضية الملاك بعيون خبراء ومديرين سابقين
البروفيسور الأمين دفع الله رئيس اللجنة الزراعية بالبرلمان ومدير مشروع الجزيرة الأسبق ومرشح الولاية للدوائر النسبية قال بشأن قضية الملاك إن هناك دراسة أُعدت بمشاركة جهات عديدة منها وزارة العدل ووزارة المالية واتحاد المزارعين واتحاد ملاك الأراضي، هناك نقاش متصل .. جلست لجنة الملاك معنا فى البرلمان كلجنة زارعية مختصة بجانب وزير العدل ووزير المالية وتمت دراسة كافة حقوق الملاك وكيفية إدارة تعويض أصحابها ولعل ما أعلن عنه علي عثمان طه هو خير دليل على سير العملية بخطى حثيثة وسيعوض كل مالك أرض ، والأمر مدروس ومعروف من هو مالك الأرض ، هناك ملاك أراضيهم مملوكة للدولة ، وهناك مزارعون يزرعون فى أراضٍ إما مملوكة للدولة أو لأفراد ، وستعالج إن شاء الله كل هذه القضايا وفقًا للملكية سواء كان بالإجارة أو بالتعويض الكامل وهناك معالجات لا نريد أن نفصح عنها الآن قبل أوانها لأنها ستخرج متكاملة بعد أن تنتهي وزارة العدل من الخطة مع وزارة المالية وسيُكشف عنها قبل نهاية مارس .
القرار تنزل بردًا وسلامًا على أهل الجزيرة
ويرى الأمين دفع الله أن القرار تنزل بردًا وسلامًا على إنسان الجزيرة وسيكون له أثر إيجابى في دفع العملية الإنتاجية وسيعيد الارتباط مابين المزارع والأرض وهذا ماسعت الإنقاذ إليه بالضبط ضمن اهتمامها بالمشروع والمزارع وسيتم إعطاء كل ذي حق حقه ونعتقد أن هذا واجب الدولة .
المدير الأسبق للمشروع : تعويض الملاك في قانون2005
مدير مشروع الجزيرة الأسبق الدكتور عمر علي محمد الأمين قال كنت مديرًا ) للمشروع لأكثر من سبع سنوات وأنا من الذين وضعوا القانون الجديد من سماته حرية المزارع ولكن حرية محددة بفنيات وليست مطلقة كما يفهمها البعض .. هذا القانون أبرز سماته تعويض أصحاب الأراضى الملك الحر وهي الخطوة التي أعلن عنها نائب الرئيس ، وبتطبيقها نعتبر أن القانون تم تطبيقه ، وفيه كذلك تحديث أنظمة الري والإدارة وإدخال تركيبات جديدة تتواكب مع الوضع والتطور الاقتصادي، وهناك أشياء كثيرة من الضروري معالجتها ونحن نعتقد أن التغيير في المشروع يسير بصورة طيبة ، ولعل عمليات التعويض ستكون جزءًا مهمًا من مراحل التجديد وتطبيق القانون، ولعل التركيببات المحصولية ستجرى تغييرًا وهي وفقًا للخطة تقسم فيها الأرض بالمشروع إلى عدة مناطق زراعية وأجرينا تجارب على البنجر وقصب السكر وهذه خطوات تقود المشروع لبر الأمان .
أكثر من مليون فدان ينتظر مُلاكها التعويض
رئيس القطاع الاقتصادى بالمؤتمر الوطنى ولاية الجزيرة فضل موسى جادين قال إن قضية حقوق الملاك اصدر المشير البشير رئيس الجمهورية توجيهه بحسمها في زيارة له بالولاية لكمل نومك بمحلية القضارف وتم تأكيد التعويض بالمجلس الوطني وفي زيارة علي عثمان الأخيرة للجزيرة أعلن تنفيذ التعويضات وحسب علمنا الأمر فى طور الإجراءات والقرار يمثل فى نظري مصداقية الإنقاذ والمؤتمر الوطنى الذى وعد ونفذ وعده لإنسان الجزيرة والمظلمة ليست جديدة وإنما ظلت موجودة منذ العام 68 وحتى 2010 ولم تحسمها كل الحكومات التي تعاقبت .. ستدفع الدولة للمزارع حقوق إيجارات + تعويضات عن الحيازات وتبلغ جملة الأراضي المعنية بالقرار قرابة المليون فدان من جملة 2.2 مليون فدان والقضية تم الطرق عليها كثيرًا منذ فترة ، والآن بحمد الله تجد العناية والحل وسيتم تعويض كافة الملاك وهذا سيساعد فى إحياء المزارع من جديد .
ولعل قرار التعويض الذى يجد الترحيب فى أوساط المزارعين والملاك يأتي فى مرحلة هامة وهي عملية التحول الذي يأمل أهل الجزيرة أن يشمل المشروع الذي تقاعد لسنوات بسبب إهمال المزارع والظروف المحيطة به من تدهور في البنى التحتية والوسائل وينتظر الملاك في ترقب ابتداء تنفيذ التعويض آملين أن لا يتأخر أكثر من ما مضى ، وما بين إكمال الإجراءات وبدء التعويض ستكسب أراضي المشروع حيويتها من جديد بعد أن هجهره المزارعون فى مناطق مختلفة .