التَفَاهمُ , المَحَبةُ , التَعَايُشُ
التفاهم ينتج الحب الذي بدوره يؤسس لتعايش آمن بين الناس..التفاهم يأتي من التعارف..الذي هو نتيجة للحوار الجاد بين أتباع الأديان والثقافات..والتعارف يستكشف المبادئ الإنسانية المشتركة..أعتقد أن هناك الكثير من المبادئ الإنسانية مبثوثة في إطار القيم الدينية والثقافية لدى المجتمعات البشرية، نحن بحاجة لأن نستكشفها..فعندما نتأمل القيم الدينية سوف نجد بسهولة أن كل دين يدعو إلى العدالة، والسلام، والحب، والحرية، والكرامة الإنسانية، والبيئة الآمنة، والتنمية، والازدهار,والتعايش الآمن..وجدت هذه المبادئ في الإسلام,ووجدت بعضًا منها في المسيحية,والبوذية,وغيرها من الثقافات في جميع أنحاء العالم..المسيح رسول الله عليه السلام يقول:"الله محبة"والنبي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"وابن رجب الحنبلي يعلق على تعبير"لأخيه" الذي ورد في هذا الحديث فيقول":الأخوة هنا هي الأخوة الإنسانية"وهذا يعني:أن الحب ينبغي أن يبذل لجميع البشر دون تمييز..والمسلم لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه الإنسان ما يحب لنفسه..ويؤكد ذلك قول النبي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم":خير الناس من نفع الناس"وبعد فما الذي يمنعنا اليوم من تأسيس مبادئ إنسانية مشتركة ؟أحسب أن المشكلة تكمن في نقص المعرفة المتبادلة، وفي سوء فهم القيم الدينية والثقافية عند بعض أتباع الأديان,والثقافات,والسياسات..والمشكلة تأتي كذلك من عدم ثقة السياسيين بقدرة المبادئ الدينية على التعامل مع شؤون الحياة..وهنا أود أن أسأل المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان والثقافات والسياسات الأسئلة التالية :لماذا واقع الحياة في الغالب يتناقض مع تعاليم الدين؟ما هو سبب هذه الحالة السلبية في حياة الناس؟هل ذلك بسبب سوء فهم القيم الدينية؟أم أنه لعدم وجود ثقة في التعاليم الدينية؟أم انه بسبب التنافر بين القيادات السياسية والدينية؟أم أنه نتيجة للأسباب السابقة مجتمعة؟من يتحمل مسؤولية هذه الأزمة الحرجة بين الدين,والثقافة,والسياسة والحياة ؟مما لا شك فيه أن الدين يبقى المكون الأكثر فعالية في بناء ذهنيَّةِ وضمائر الأجيال البشرية..ومن جهة أخرى فإن الثقافة العامة لها تأثير موازي في بناء سلوكيات الأجيال البشرية، وبالتالي فإن علماء الدين، والمفكرين,والقيادات السياسية..ينبغي أن يتحملوا معًا المسؤولية تجاه الأزمة الحالية في العالم، لأنها جاءت نتيجة سيئة لنهجهم الخاطئ في بناء تربية الأجيال البشرية.ربما سائل يسأل :وما هو الخطأ في نهج تربية الأجيال؟ ببساطة يمكن القول:أن الخطأ الأساسي في المنهج التربوي هو بسبب فصل النظم الدنيوية عن التعاليم الدينية..وكما هو معروف فإنه منذ بدايات القرن السادس عشر، والمجتمعات البشرية في الغرب تعاني من أزمة كبيرة بين علماء الدين، والمفكرين والقيادات السياسية، حيث حاول زعماء الدين إبقاء الناس تحت سيطرة الكنيسة,وعزلهم عن الانشغال في شؤون الحياة، من ناحية أخرى فإن المفكرين والقادة السياسيين يحاولون تحرير الناس من سيطرة الكنيسة,وتشجيعهم على الانغماس فقط بشؤون الحياة..مثل هذه المشكلة موجودة في بعض بلدان المسلمين، ولكن بطريقة مختلفة وبشدة أقل,حيث الدين لا يزال مكوناً فاعلاً في تشكيل ثقافة المسلمين..بالتأكيد دعوة الناس للعزلة عن شؤون الحياة تطرف خطير لا يقل خطورة عن تطرف دعوة الناس لعزل أنفسهم عن تعاليم الدين..وهذا مما يجعل المجتمعات البشرية اليوم تعاني بشكل عام من نوعين من التطرف تطرف ديني، وتطرف دنيوي..لذلك علينا أن نعمل معًا وبجد لتصحيح هذا الوضع الشاذ في العالم..ولنبني من بعد ثقافة التكامل بين القيم الدينية والمصالح الدنيوية..ولنؤكد أن الجانبين الديني والدنيوي لا غنى لكل منهما عن الآخر، فعلى الطرف الديني أن يعلم أن بناء الحياة وتحقيق مصالح الناس هو من جوهر العبادة الروحية..وبالمقابل فعلى الطرف الدنيوي أن يعلم بأن التعاليم الدينية مهمة لإقامة مجتمعات آمنة..هناك نوعان من العبادة في الإسلام:عبادة روحية، وعبادة عمرانية,وأن التلازم والتكامل بين هاتين العبادتين شرط أساس لنيل كامل مرضاة الله تعالى..لذلك علينا أن نتحمل المسؤولية المشتركة لإعادة بناء التوازن بين العبادة الروحية والعبادة العمرانية في عملية بناء تربية الأجيال..ويوم أن ننجح في تحقيق مثل هذه التوازنية..فإننا بكل تأكيد سنضع العالم على مسار الحياة الآمنة.
وسوم: العدد 709