الفرس وحوار الألف عام

لم يزعم أحد من السنة حب آل البيت تقية أو مجاملة لأحدٍ، فهم أولى بهم دون غيرهم لأنهم آل بيت النبي الكريم وهم أجدادهم، وأولا وأخيرا هم عرب أقحاح لم يتلوث نسبهم بنطفة أو من رحم فارسي، والسنة لا يجاملون شيعة دولة الولي الفقيه أو أي طرف آخر في انتسابهم إلى نسب شرفّهم الله به وجعلهم به سادة الأمم وبوصلة صوابها، وهذا اعتقاد ديني راسخ في الوجدان العربي والإسلامي والسني خاصة.

ولكن حب آل بيت النبي شيء والتسليم بالتبعية لكل من ارتدى عمامة سوداء وانتحل لنفسه نسباُ غير نسبه، وارتضى لأجداده وجداته الدخول في ارتياب النسب. 

كما أن حُبّ آل البيت شيء والتصديق بروايات الكليني وبن بابويه القمي وبن قولويه القمي والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والصدوق والمجلسي وبقية الشلة ومن سار على منهجهم من واضعي الأحاديث وناسبيها إلى جعفر الصادق، خاصة عن معجزات وأساطير لم تتوفر حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو آخر ما يفكر به أي مسلم احتفظ بقليل من الإدراك والعقل السليم.

أما الشيعة الذين استوطنوا بلاد فارس ومنها نشروا شرهم وفكرهم الهدام، فإنهم ألفّوا القصص الخرافية التي لا يستوعبها عقل سليم، وأدخلوا البدع الضالة المضلة واخترعوا "البراءة" واعتبروه من ضروريات  دينهم، فمن لم يتبرأ من سادة العرب وصحابة النبي الذين صدقوه وعزرّوه ونصروه في رسالته، فهو عند الشيعة الصادقين مع أنفسهم والأوفياء لثقافتهم والملتزمين بمعتقدهم خارج عن إسلامهم ومخلّد على زعمهم المجوسي في النار.

وهنا ننقل ما قاله المجلسي أحد مراجع الشيعة «ومن ضروريات دين الامامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية...»(الاعتقادات للمجلسي (ق:17.) بل والبراءة منهم تعتبر عند الشيعة من أسباب ذهاب الأسقام وشفاء الأبدان (إلزام الناصب للحائري (2/9)).

ولكن للأسف الشديد هناك توفيقيون لا يعيشون الزمن الراهن بما فيه من ثورة الفكر والتطور الحاصل في كل العلوم وتوسع قدرة الإنسان على الوصول إلى المعلومة الدقيقة التي يبحث عنها بيسر وسهولة وليس كما عاش الأسلاف يحاولون لجهلهم بحقائق نشوء التشيع كمدرسة سياسية لا صلة لها بجوهر الدين الإسلامي وعقيدته الواضحة، يحاولون إيجاد مسافة ذهنية مفترضة بين إيران الدولة ونظام ولاية الفقيه من جهة، وبين الفرس كأقلية ضمن مجموعة الشعوب التي تكون مجتمع الأخلاط في إيران وتحمل جنسيتها.

بعض هؤلاء يحملون حسن النية وتفكير الدراويش في التعامل وبطريقة توفيقية مع الظواهر الدينية والمذهبية عند ارتباطها بالقضايا السياسية، وخاصة المتعلقة منها بالعلاقات بين الدول عموما والدول المتجاورة خصوصا، لكن عند تعلق الأمر بإيران فإن من العبث المعيب التفكير بأن هناك فرقا بين النظام والشعب، الصراع ليس جديدا ولا يرتبط بنظام واحد وإنما هو صراع مزمن يمتد إلى يوم نشوء أول سلطة في عيلام لا يقرأ سطوره إلا العراقيون الذين يجيدون فك رموزه وطلاسمه المعقدة، ولهذا عندما يتحدث هذا المسؤول العربي أو ذاك بأن الخلاف ينحصر مع النظام ولا يتعداه إلى الشعوب الإيرانية فهو قول ينم عن سذاجة مفرطة، ومن يقول بهذا فهو فاشل في قراءة التاريخ واستخلاص الدروس والعبر منه، فأنا ومهما حاولت أن أجد فاصلا بين أي نظام إيراني وآخر أخرج بخيبة أمل بأنني لم أتمكن من رؤية ما يراه غيري من عباقرة السياسة والدبلوماسية العربية، الذين يحاولون تبرير روحهم الانهزامية أو بهدف فك اشتباك قائم بين دولهم وبلد الشر منذ الأزل وإلى الأبد إيران السوء، إيران الشعب وإيران النظام شيء واحد متطابق في الفكر والتطبيق، في الاعتقاد والممارسة، فالحقد على العرب دين فارسي موغل في القدم لم يصنعه النظام القائم حاليا وإن كان قد طوره وأعطاه بعدا دينيا ومذهبيا يستمد قوة دفعه من أن أئمة الشيعة عبر التاريخ، هم الذين حضوا عليه ولم يأت روح الله الموسوي الخميني بجديد بل سار على طريق شقها من سبقه من قادة الشيعة عبر دور استحالته ومراحل  نشوئه وتطوره، ولهذا وأقولها من دون تردد أشعر بأعلى درجات القرف عندما يتفلسف مبتدئ في علم الملل والنحل والعقائد، فيقول بسذاجة مفرطة "إن عداءنا مع النظام الإيراني وليس مع الدولة الإيرانية أو الشعب الإيراني"، هذا يصلح لأفلام الوله والعشق من طرف واحد، ولا يصلح في عالم السياسة والعلاقات بين الدول، وإلا هل يستطيع أحد أن يجد لي تفسيرا واحدا مقنعا لقول "حسن روحاني"، " لنبدأ من جديد من نقطة الصفر" في مبادرته لتسوية العلاقات المتأزمة بين إيران من جهة والعرب عموما ودول الخليج العربي خصوصا من جهة أخرى والتي لم تنجم لأن العرب تدخلوا في قضية إيرانية داخلية واحدة، ولم يحاول نظام عربي واحد استغلالها على كثرتها إما لعجز أو ضعف في معرفة أي المفاتيح أكثر أيلاما لفارس.

 بل تأزمت بعد أن طفح الكيل، ولم يعد للسيف منزع، بعد أن وصلت مجاميع إيران وخلاياها النائمة وغير النائمة إلى غرف نوم بعض المسؤولين العرب الحالمين بعلاقات حسن النية مع إيران، وربما اتخذت تلك الخلايا لنفسها مواضع تحت أسّرة نومهم، هل يقصد روحاني أن ما قضمته بلاده لقمة واحدة في الماضي القريب والبعيد يجب الاعتراف به كأمر واقع غير قابل للمراجعة؟ أم أن روحاني يمتلك القدرة أو الرغبة أو كليهما لينسلخ عن عنصريته الفارسية ويباشر حوار الألف سنة لإعادة عشرة أمتار عربية مقابل السيطرة على البحرين واليمن وتكريس السيطرة على العراق وسوريا؟ هذا ليس غريبا على بلد لا يكترث للزمن فيقضي أبناؤه سنوات طويلة في حياكة سجادة لتداس بالأقدام بعد طول تعب ونصب.

تاريخ فارس يحدثنا بآلاف القصص المضحكة المبكية لمفاوضات عبثية كان الشيء الوحيد المتحقق هو وثائق لا تساوي الحبر الذي كتبت منه والورق الذي دونت عليه، وسرعان ما تنقّض عليها أسراب الغربان والبوّم والجراد من بقايا معابد النار والتي انتقلت من مواقدها المقدسة إلى حسينيات وقبور لم تقَم إلا للخديعة وتضليل البسطاء والسذج من الناس باسم الحسين ونشر البكائيات التي تستدر الدموع، وتحلب آخر ما تبقى في الضرع من حياة، والسحت الحرام والكسب غير المشروع.

ليقل عني من يشاء أن يقول، ليقل لي أنت عنصري ومتعصب ضد العجم الفرس، لا يهم فأنا أعرف بنفسي أكثر من أي شخص آخر، أو ليقل لستَ رجلَ دولةٍ ولا تصلح لإدارة حوار سياسي مع الآخر، وليقل فيّ ما شاء، فذلك أشرف لي ألف مرة من أحظى برضاً السذج والجهلة أو أن أكون غبياً وأكرر أخطاء العرب الماضية الذين فقدوا فيها أنفسهم وحقوق الأمة بسبب الجهل في التاريخ وعدم معرفة طبيعة الطرف الآخر، نتيجة ما يشيعه البعض من أن هناك فرقا بين إيران النظام وإيران الشعب والدولة، فعندي هؤلاء واحد مهما تطاول الزمن ومهما تغيرت الظروف ومهما تعددت الأسماء واللافتات التي يقف تحتها المسؤول الإيراني.

د.نزار السامرائي                                                                              

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 710