البلبل ناغى.. قرب الياسمينة!
غرسةُُ الياسمين، التي نفضت ابنتي عنها ترابها في الوطن، وجعلتها في خِرقة نديّة، ودخلت بها إلى البلاد خلسة، قد قُدّر لها أن تُمسِك بالتربة الأمريكية هنا، وتنمو، وتُنجب كثيرا، وكان توزيع "الأولاد" على بيوت الأهل والخلان.
والياسمينة الأمّ، المتّخِِذةُ مسكنًا لها الجانبَ الأمامي من الحديقة تزنّر البيت دون سياج، تتبرعم أزاهيرُها مساء كلّ يوم، لتتفتّق ساعة الفجر، أذهب إليها وفي اليد إناء من الكريستال... أقطف، أشرئبّ، هنا زهرة، اثنتان متجاورتان، ثلاث، أعُدّ ما أجنيه مثل صبيّ صغير... وربما لمحني المُبْكِرون في الذهاب إلى أعمالهم وهم في سياراتهم يعبرون الطريق السريع، ولعلهم يَعجبون: لماذا يُعَنّي هذا الرجل الغريب نفسه بأن يقطف تلك الأزهار الصغيرة التي لا تكاد تُبصرها العين!
لم أقصد الحديث عن هذا كلّه في خاطرة اليوم، أيها الأصدقاء... ولكن لأخبركم بأني اكتشفت أنّ على شجرة النخيل، المجاورة لياسمينتنا المتعرّشة على جدار قد بُني لها من أضلاع خشبية، يسكنُ بلبلٌ، وأنه يشرع في غنائه لحظة أبدأ في القطاف، ولا يكفّ إلا لحظة يؤون موعد ذهابه للبحث عن قوته اليومي... إنه يذكّرني:
البلبل ناغى ع غص الفلّ * آه يا شقيقَ النعمانِ
قصدي ألاقي محبوبي * بين الياسمين والريحانِ
ذكّرني البلبلُ الغِرّيد هنا بمطرب العرب، وأيضا بذلك "الشحرور" الذي دأب على أن يأتي إليّ من الغوطة، يقضي فصل الصيف في حديقة بيتي في "نوري باشا"، وقد ألهمني قصة "الشحرور القادم من الغابة"، التي نُشرت في مجلة "العربي الصغير" في الخريف الذي مضى!
الجسم هنا، يا أصدقائي، والعقل هناك.
فلوريدا: ظهيرة الاثنين 20-4-2015