المحافظ.. الذي فتح بابه على مصراعيه
في يوم من أيام العام 1965، ربما في تشرين الأول/ اكتوبر، تولى منصب محافظ حلب مَن كان رئيسا لبلديّتها.
في أول أيامه فتح باب مكتبه على مصراعيه، للمهنّئين ولأصحاب الشكاوى القديمة والمستجدة، فتدفّق الناس يملؤون المقاعد في تلك القاعة الكبيرة حتى جيء بكراسي إضافية. وأما أنا فقد أومأ إليّ على مرأى من الجميع لآتي إليه وأجلس على كرسي بقربه، ولست أشكّ في أنّ بعضهم تعجّبوا من أن يقرّب المحافظ "البعثيّ" رجلا ممّن لا يؤيّدون.
وظلّ هذا المحافظ،، الذي لم يُبطره النفوذ والجاه، صديقا للجميع. وأذكر ممّا ابتدع، وهو المغرم بالثقافة، أنه خصّص يوما، هو "عيد الشجرة"، حملت فيه الباصات كلّ من يريد من الموظفين أن يزرع، وذهبنا إلى قلعة جبل سمعان، زرعنا، وزرع هو أمام أبصارنا، وفي استراحتنا بين أطلال الكنيسة الأثرية العظيمة قُدّمت لنا صندويشات الدجاج والماء المبرد.
ثمّ دارت الأيام وانتقل من إلى... ودخل الاعتقال، ولم يطلَق سراحه إلا بعد أن تعهّد بألا يقترب من... السياسة!
بعد سنين سألته، وأنا في زيارة له في بيته، بين الساعات الأثرية المختلفة الأحجام والدقّات المثبتة على كلّ الجدران، عن رأيه فيما وقع ويقع، فأجابني بكلمتين: «كنا أحجار شطرنج في أيدي لاعبين!».
رحمك الله، يا أخي بالرضاعة، عبد الغني السعداوي.