العرب هم صانعو عربدة إسرائيل وتسلطها
بين وقت وآخر تطالعنا إشارة هنا وإشارة هناك إلى مقال " استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات " الذي كتبه عوديد يينون رجل الاستخبارات العسكرية والدبلوماسي الإسرائيلي السابق في عدد فبراير 1982 من مجلة كيفونيم ( اتجاهات ) العبرية التي يصدرها قسم المعلومات ب " المنظمة الصهيونية العالمية" ، وتحدث فيه تفصيلا عن وجوب تقسيم كل دولة عربية إلى عدة دويلات لضرورة هذا التقسيم لأمن إسرائيل ومستقبلها في المنطقة . وفسرت كثير من الكتابات والآراء العربية ما حدث في الوطن العربي بعد نشر ذلك المقال من حروب عدوانية خارجية مثل العدوان الأميركي البريطاني على العراق في 2003، وحروب داخلية وبينية عربية منذ نكبة ما زعم ربيعا للعرب في 2011 ؛ بأنه تنفيذ فعلي للخطة التي احتواها مقال يينون . وأحدث إشارة إلى ذلك المقال الخطة ما كتبه عنه زهير أندراوس في صحيفة "رأي اليوم " . ولا ريب في أن حجة ذلك التفسير العربي هي تطابق ما حدث ولا زال يحدث في العالم العربي مع ما جاء في ذلك المقال . فهل العرب من الهشاشة والاهتراء الوطني والقومي إلى حد الاستجابة بآلية وسهولة واسعتين إلى ما يريده من يفترض أنه عدوهم مهما أفرط خياله في ما يريده ؟! أي يكفي أن يحلموا لنستجيب بكل مرونة وسلاسة لأحلامهم مهما تمادت واتسعت ، ومهما كانت مهلكة لإنساننا ، ومدمرة لعمراننا ، وموصدة لاحتمالات مصيرنا أمة وحضارة . يليق بنا أن نعي أن المشروع الصهيوني نشأةً وتناميا في المنطقة العربية والإسلامية ما كان لينجح مهما كانت إمكانات ومهارات الصهاينة القائمين عليه لو لم يكن في جوهره مشروعا غربيا أوربيا وأميركيا . ومن نقطة الوعي هذه نستنتج أن التطابقات المأساوية التي حدثت في العالم العربي مع مقال يينون أو خطته ما كانت لتحدث لولا الفعل الغربي الحاسم فيها . هل كان العراق سيكون في هذه الحال من الضعف والتمزق والاحتراب الذي لا تبين له نهاية دانية لولا العدوان الأميركي البريطاني عليه ؟! هل كانت الحرب الكونية العدوانية القائمة على سوريا لتدخل عامها السابع لولا الفعل الغربي فيها منضفرا مع الأتباع العرب ؟! وهل كانت الحروب العربية الداخلية والبينية لتحدث لولا الفعل الغربي فيها ؟! إسرائيل وحدها ما كانت لتفعل شيئا ذا تأثير في هذه المجالات لولا الفعل الغربي . إنها لم تصمد في جنوب لبنان عندما صَلُب ساعد المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله ، فهربت منخذلة مخزية في مايو 2000، وفي عدوانها على لبنان ومواجهة حزب الله قاتلت 33 يوما دون أن تحسم شيئا ، وخرجت من الحرب متندمة متوجعة ، ولولا مسارعة أميركا لاستصدار قرار وقف للنار في مجلس الأمن لهزمت هزيمة صريحة مثلما ذكر الرئيس الأميركي بوش الابن في كتاب له . وأجبرتها تضحيات المقاومة الفلسطينية الباسلة على أن تقتلع مستوطناتها الواحدة والعشرين وأن تسحب جيشها من غزة في 2005، وعجزت مشلولة عن ضرب إيران ما يزيد على عشر سنوات من الحديث الهستيري عن خطرها النووي عليها دون أن تتوقف خلالها عن حث أميركا لضرب إيران نيابة عنها أو بمشاركتها توقيا لفداحة قسوة انتقام إيران منها لو ضربتها منفردة . وأوقفت المقاومة الفلسطينية المستبسلة في عدوان 2014 على غزة قواتها البرية 51 يوما على الحدود دون أن تتجرأ على التوغل في غزة في أطول حرب إسرائيلية عربية . في كتابه " حملة السويس " عن العدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر في 1956 شبه دايان رئيس الأركان الإسرائيلي يومئذ إسرائيل في ذلك العدوان براكب دراجة تشبث بمؤخر شاحنة ليخفف عن نفسه جهد قيادة دراجته ويزيد من سرعتها . إسرائيل رغم قوتها التي تصاعدت منذئذ بفضل تصاعد الضعف العربي ، وولائية أكثر الدول العربية للغرب ومن ثم لإسرائيل ؛ مازالت رغم كل مصادر قوتها ليست بعيدة عن حالة راكب الدراجة القديم ، ولو كان في مواجهتها عالم عربي وإسلامي معادٍ لها صدقا وحقا أو في الأقل متمسك بالحد المعقول من مصالحه ومظاهر سيادته الوطنية ما نجح أي مخطط لها مهما صغر ، وكانت في حال سوى هذه الحال من العربدة والتسلط ورسم الخطوط الحمر في المنطقة والتي ترجمتها الحقيقية هي حرية الاعتداء والإيذاء متى شاءت . العرب بأصنافهم المختلفة هم صانعو عربدة إسرائيل وتسلطها لولائية أكثرهم للغرب الذي أوجد إسرائيل ، وبالحتمية المنطقية تحالف هذه الأكثرية العربية معها سرا وعلنا ، ولماذا نغفل أن بعض الدول العربية ولدت على يد الغرب في سرير واحد مع إسرائيل ؟!
وسوم: العدد 718