تذوب الشّموع لتنير الظّلمات
يذوب الأسرى الفلسطينيّون الذين دخلوا معركة الأمعاء الخاوية منذ 17 نيسان –ابريل- الماضي، كما الشّموع، وذلك دفاعا عن حقّهم في الحياة الكريمة، ودفاعا عن كرامة أمّة ارتضت الذّلّ والمسكنة، ورغم المخاطر التي تهدّد حياتهم إلا أنّهم مصرّون على حقّهم الإنساني بالعيش كبشر خلف الأبواب المغلقة. وبالمقابل فإنّ حكومة نتنياهو لا تتجاهل مطالب الأسرى العادلة فقط، بل تدعو إلى ما هو أبعد من هذا، في محاولة منها لصرف الرّأي العام العالميّ عن التّعاطف مع حقّ الأسرى في حياة كريمة. ولصرف الأنظار عن هروبها من متطلّبات السّلام الذي يحفظ حقّ شعبها قبل حقوق الشّعوب الأخرى، فهي مشغولة بالاستيطان والتّوسع، ومنع الشّعب الفلسطينيّ من إقامة دولته المستقلّة التي يُجمع عليها العالم، وبدلا من الاستجابة لمطالب الأسرى العادلة فإنّها وحليفتها أمريكا تضغط على السّلطة الفلسطينيّة لقطع المخصّصات المالية عن أسر الشّهداء والأسرى، بحجّة "تجفيف منابع الارهاب"!
وكأنّ احتلال أراضي الغير أمر مشروع، ومقاومته ارهاب! واسرائيل نفسها وفي استمرار احتلالها للأراضي العربيّة المحتلة، تخالف قرارات الشّرعيّة الدّوليّة، والقانون الدّولي، ولوائح حقوق الانسان العالميّة، أي أنّها تمارس ارهاب الدّولة، من خلال مصادرة الأراضي والاستيطان، والقتل والاعتقال وغيرها. وتصرف مبالغ ماليّة لأسر قتلاها وجرحاها وتعتبرهم أبطالا، سواء كانوا من العسكريّين أو المستوطنين، بمن في ذلك من قاموا بجرائم تقشعرّ لها الأبدان، كالذين حرقوا الطفل محمد أبو خضير حتّى الموت قبل ثلاث سنوات، ومن حرقوا أسرة دوابشة وقتلوا الوالدين وطفلا رضيعا، وشوّهوا الطفل أحمد دوابشة الذي يعاني حتّى يومنا هذا.
كما يقوم التّأمين الوطني الاسرائيلي بصرف مخصّصات مالية لأسر مقاومين فلسطينيّين يحملون بطاقة الهويّة الاسرائيليّة، لأنّها لا تريد أن تزيد قوانينها العنصريّة أكثر ممّا هي عليه، ومن منطلقات أنّ هذه الأسر من رعاياها! ومع الفارق في المقارنة فإن اسرائيل لا تعطي نفس الحقّ للسّلطة الفلسطينيّة، علما أنّ المقاومين والأسرى الفلسطينيّين وأسرهم هم من رعايا السّلطة الفلسطينيّة، وهي مسؤولة عنهم، ومسؤولة عن رعايتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم.
ومعروف أنّ دول العالم كافّة ترعى أسر الضّحايا والجرحى والأسرى من مواطنيها، وأمريكا نفسها لم تتخلّ عن ضحاياها في حروبها في فيتنام سابقا، ولا في العراق وأفغانستان وغيرها حاليّا، مع أنّ الحروب الأمريكيّة لم تكن يوما عادلة، ولم تكن حروبا دفاعيّة، تماما مثلما هي حروب حليفتهم اسرائيل.
ولا تكتفي اسرائيل وحليفتها أمريكا بهذا، بل تتعدّاها إلى ما هو أكبر من ذلك، فهي تريد تحالفا عربيّا رسميّا على مختلف الأصعدة معها، بما في ذلك التّحالف الأمني والعسكريّ، وإقامة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسيّة والتّطبيع الكامل، مع احتفاظها بالأراضي العربيّة المحتلة في حرب حزيران 1967 العدوانيّة.
إنّ استمرار تجاهل معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، وسقوط ضحايا من بينهم-لا سمح الله- ستكون عواقبه وخيمة على المنطقة برمّتها، وستقلب السّحر على السّاحر، فهل تدرك أمريكا واسرائيل وكنوزهما الاستراتيجيّة في العالم العربيّ ذلك؟
وسوم: العدد 720