عيناك.. كيف ترى؟
د. محمد السقا عيد
استشاري طب وجراحة العيون
عضو الجمعية الرمدية المصرية
يمكن القول بأن العين أهم أجزاء الجسم الذي جذب انتباه الأطباء والعلماء في مختلف التخصصات... وبالإضافة إلى تنافس الأطباء في معرفة أمراض العيون وعلاجها، تنافس أيضاً علماء النفس في البحث في العين ومدى تعبيرها عن العواطف وكوامن النفس ، إذ أن لمحة واحدة قد تفصح عما يفكر فيه الإنسان مهما حاول إخفاءه.
ولذلك قالوا: العين مرآة النفس، وقالوا أيضاً: عندما يتكلم الإنسان فأصغ إلى عينيه..... ناهيك عما أبدعه الشعراء والكُتَّاب في وصف العين وسحرها وفتنتها ومدى تأثيرها في النفوس .
والعين هي جهاز حسي يعمل مثل آلة التصوير وذلك من خلال تحويل الصور التي نراها إلى نبضات عصبية تصل إلى مركز الإبصار في الدماغ عن طريق العصب البصري. ويمتلك الإنسان لعينين وذلك يساعده على رؤية الأشياء بأبعادها الثلاثية.
ويرجع فضل السبق في وضع نظرية الإبصار السليمة إلى عالم البصريات المسلم ابن الهيثم, فالنظرية التي كانت تسيطر على فكر العلماء في الحضارات القديمة وظلت سائدة حتى القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي) أن الضوء ينساب من العين إلى الجسم المرئي، وأن الإبصار يحدث نتيجة لخروج حزمة من الضوء من عين المشاهد إلى الجسم المرئي فتقع الرؤية. فصحح ابن الهيثم هذه الفكرة وقرر أن الإبصار إنما يكون نتيجة سقوط أشعة صادرة من الجسم المرئي إلى العين لتؤثر فيها, وقد أثبت ذلك في كتابه المناظر.
من الضروري أن يكون هناك ضوء حتى تبصر العين.
يقع هذا الضوء على الأشياء فينعكس منها ليدخل العين حيث يتم تركيزه على هيئة صورة لما نرى على الشبكية وعندما تتكون الصورة على الشبكية تكون مقلوبة.
عدسة العين تكون صورة مقلوبة علي الشبكية تصحح في الدماغ
وبوصول الضوء إلى الشبكية يقوم بتنبيه النهايات العصبية بها ، وهى حساسة للضوء ، وهكذا يحدث التفاعل الكيميائي الضوئي بها فتنتج طاقة كهربائية تنتقل عن طريق ألياف العصب البصري إلى الجزء الخلفي من المخ حيث توجد منطقة خاصة بالبصر.
وعندما تنتقل هذه الإشارات الكهربية تنبه خلايا المخ التي تستقبلها وتقارنها بالمخزون الموجود من ذكريات... وتفهمها ، ومن خلال الاتصال بين مركز البصر في المخ ومراكز الحركة والانفعال الأخرى تكون استجابة الشخص.
ويلاحظ أن الصورة الواقعة على الشبكية تكون صغيرة جداً ، فمثلاً لو أن جسماً بطول مترين وعلى بعد ثلاثة أمتار من العين فإن تصويرته تكون ما بين 1-2 ملليمتر على الشبكية.
هذه الصورة الصغيرة هي بداية العملية المعقدة ، صحيح أننا لسنا بحاجة إلى رؤية تفاصيل المسافات أمامنا أو ما يحدث حولنا ، ولكننا بحاجة إلى الرؤية عندما يكون الضوء ساطعاً أو خافتاً ونحتاج كذلك إلى التكيف أثناء التغيير المفاجئ لشدة الضوء.
لهذا فإن الله سبحانه وتعالى قد حبا الشبكية بخاصية التكيف لهذه التغيرات والمتطلبات ، فإذا زادت شدة الضوء بصورة مفاجئة فإن الشبكية تستطيع التكيف بسرعة ولكنها تحتاج إلى مدة أطول للتكيف والرؤية فى الظلام المفاجئ.
وتكون الخلايا الحساسة للضوء فى الشبكية على نوعين :النوع العصي والنوع المخروطي (مخاريط).
ويلاحظ أن الخلايا التى تكون على شكل عصى تتجمع بشكل مجاميع ، وكل مجموعة تشترك فى عصب واحد.
أما الخلايا الحسية التى على شكل مخاريط فإنها على عكس الخلايا العصبية ، فكل خلية تحتوى على عصب واحد خاص بها .
وبشكل عام فإن هناك مئات الآلاف من الأعصاب التى تنقل الرسائل الكهربية من العين إلى الدماغ ، هذه الأعصاب تتجمع وراء العين بشكل حزمة واحدة وتتصل بالدماغ بواسطة حزمة تشبه الكابل الرئيسي للتليفونات وتسمى هذه الحزمة (الكابل = القابلو) بالعصب البصري.
ويقوم العصب البصري بنقل هذه المعلومات من العين إلى الدماغ ، ولم يثبت حتى الآن بصورة قاطعة أن هناك رسائل تنقل من الدماغ إلى العين.
وكما نعلم بأن العصي حساسة للضوء الخافت لذلك فإنها حساسة للرؤية الليلية أما المخاريط والتى تقع بصورة رئيسية فى مركز الشبكية فإنها حساسة للضوء الشديد نسبياً ومختصة بالرؤية النهارية.
كما أن اتصال المخاريط بالدماغ يتم بواسطة عصب واحد لكل خلية مخروطية واحدة فإنها تعطى التفاصيل الدقيقة للصور الساقطة على الشبكية ، وأما العصي فكل عصب واحد يتصل بمجموعة (حزمة) منها ، كذلك فإن المعلومات التى ترسلها تكون عامة وغير دقيقة.
وهذه العملية تعلمنا أين نحن ليلاً ونهاراً وتساعد على تكييف أنفسنا بالمحيط الذى نعيش فيه. فبصورة عامة يسقط الضوء على الخلايا الحسية ، وبسبب إصدار رسائل كهربائية صغيرة ترسل بواسطة الأعصاب البصرية وتمر بعدة محطات وسطية حتى تصل إلى المراكز البصرية فى الدماغ وبذلك تتمثل الصورة فى الدماغ وتتجسم.
من مجمل ماذكرنا نجد أن الرؤية الجيدة تحتاج إلى ما يأتي :
تمركز الصورة على الشبكية.
أن تكون عدسات العين جيدة والسوائل التى فيها شفافة جداً.
يجب أن تكون الخلايا المخروطية والخلايا العصي نشطة وفعالة.
أن ترسل الرسائل الكهربائية خلال الأعصاب إلى الدماغ بصورة طبيعية.
عند وصول هذه الرسائل إلى الدماغ يعاد ترتيبها من جديد بشكل طاقة كهربائية.
كلمة أخيرة
وكما رأينا فإن كل مخلوق على هذه الأرض ميسر لما خلق له ، وكل عضو فى كل كائن صممه الخالق المبدع جل وعلا بحيث يؤدى المهمة المطلوبة منه ليسير كل شئ بقدر معلوم.
فالله سبحانه لم يخلق أى عضو - فى أجسامنا - إلا بإحكام وتقدير لكى يلائم طبيعة وظيفته. فسبحان المبدع الخالق جل شأنه.
وصدق الله العظيم القائل :
(إنا كل شئ خلقناه بقدر) القمر 49.
(وفى أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات 21.
فتبارك الله أحسن الخالقين. وسبحان من خلق فسوي وقدر فهدى.
مصادر يمكن الرجوع اليها:
- كتاب كلام فى العيون – د محمد السقا عيد.
- العديد من مواقع الانترنت.