الهجوم على يهود بني قريظة
{والذي نفسي بيده! لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات}.
( واهتز العرش )
فأتى جبريل من السماء للرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع اللأمة، بعد الخندق بعد الحصار والجوع، والخوف والمشقة، والضنا والسهر والتعب، قال جبريل: أوضعت لأمتك؟ قال: نعم. قال: وعزة الله وجلال الله ما وضعت الملائكة السلاح، أين يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهذا القائد العظيم مأمور من السماء، قال: عليك ببني قريظة فقال: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فانطلق الصحابة، منهم من صلى في الطريق، ومنهم من ترك الصلاة حتى وصل.
طوقهم صلى الله عليه وسلم وصاح بهم: انزلوا يا إخوان القردة والخنازير، اهبطوا.. تعالوا إلى هنا؛ لأنهم خانوا الله ورسوله، ونقضوا الميثاق، فتذكروا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وما أحسن شجاعة الإسلام والإيمان يوم وصل بهم الحال إلى هذه العزة يوم طوقوا اليهود في بيوتهم وحاصروهم وأصبحوا في أضيق من ثقب الإبرة.
اليهود يطلبون حكم سعد بن معاذ
ضاق الأمر باليهود فتلمسوا من يساعدهم -أصلاً ليس لهم طريق إلى الواحد الأحد، الطريق مقطوع، وليس لهم طريق إلى الناس إلا بحبل من الله وحبل الناس وهو مقطوع- فما تذكروا إلا صديقاً واحداً فقط، وحبيباً وقريباً إلى قلوبهم، كان صديقاً وحليفاً لهم في الجاهلية، إنه سعد بن معاذ، كان يبايعهم ويشاريهم، لديهم اتفاقيات ينصرونه في الجاهلية وينصرهم هو وبني عبد الأشهل والأوس قالوا: لا ننزل إلا على حكم سعد بن معاذ، قال عليه الصلاة والسلام: ترضون بحكم سعد بن معاذ؟ قالوا: لا ننزل إلا على حكم سعد بن معاذ، قال صلى الله عليه وسلم: عليَّ بـسعد بن معاذ.
فذهبوا إلى سعد بن معاذ وهو مجروح في المسجد، فأتوا به على حمار ولم يأتوا بالمواكب، نحن اليوم نمشي بالمواكب العظيمة ولا نساوي أظفارهم، وهو يركب حماراً وهو أعظم من مليون من المعاصرين.
فوطَّئوا له الحمار وأركبوه، وأقبل رجلاه تخطان في الأرض كان طويلاً كالحصن، فلما وصل قال صلى الله عليه وسلم للجيش المدجج بالسلاح والقادة والكتائب: {قوموا إلى سيدكم فأنزلوه} فقام الصحابة جميعاً وأنزلوه من فوق الحمار برفق حتى وضعوه؛ لأنه سوف يصدر حكماً نهائياً في أعداء الله، يحفظ في التاريخ ويسجل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بل في الصحيح.
سعد بن معاذ يصدر حكمه في اليهود
فنزل سعد بن معاذ في الخيمة، وأخبره صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون حكمه، فمن إجلاله للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه له وتوقيره قال: أيرضى من في هذه الناحية بحكمي؟ ناحية الرسول صلى الله عليه وسلم، فالآن سوف يصدر الحكم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أرضى. ولم يقل هو محمد صلى الله عليه وسلم ولا يا رسول الله، إجلالاً:
أهابك إجلالاً وما بي رهبة إليك ولكن في علاك تسجل
قال: أيرضى من في هذه الناحية؟ -أي: محمد صلى الله عليه وسلم- تصوروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، محمد سيد الخلق قال: نعم. قال: وترضون بحكمي؟ -أي: اليهود- قالوا: نرضى بحكمك.
قال: رأيي فيهم يا رسول الله! أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم، وأن تقسم أموالهم. فقال صلى الله عليه وسلم، تعليقاً على هذا الحكم: {والذي نفسي بيده! لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات}.
النبي صلى الله عليه وسلم ينفذ حكم سعد
وبدأ تنفيذ الحكم، وأنزل المقاتلة أمام الناس، والزبير وعلي جاهزان بالسيوف، فضربوا جمجمة سبعمائة في الخندق، وأخذوا الذرية والأموال، وهذا حكم الله، فحكم من غدرك وخانك وغدر بك وحارب ضدك بعد المواثيق والعهود؛ هذا الحكم، فهذه هي اللغة التي يفهمها اليهود، أما لغة السلام، لغة جميع القضايا، لغة دغدغة المشاعر فلا، بل لغة السيف. يقول المتنبي:
من ابتغى بسوى الهندي حاجته أجاب كل سؤال عن هلٍ بلم
ويقول أيضاً:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم