جسد بلا روح
سالم الزائدي
ساهم الكثيرون في البحث عن إجابات في مسألة بناء الإنسان ونهضة المواطن العربي وبذلت فيها كثير من الجهود إلا أنها لم يتم تبنيها في استراتيجيات وسياسات وخطط وبرامج تنموية واقعية. لماذا .. لأننا كلما تحدثنا عن التغيير والإصلاح وبناء الإنسان بأشكاله المتنوعة يبقى كلامنا حبر على ورق ما لم يقحم الفرد فيها بفاعلية على أسس المخاطرة والمبادرة.
ويحضرنا هنا سؤال كم حجم الاستثمار الذي تنفقه الدول على مواطنيها ليصبحوا نموذج بناء أو نموذج نجاح؟؟ إذا أردنا أن نتحدث عن بناء المواطن العربي فلا بد لنا من الحديث عن إرادة التغيير وليس الإصلاح. فإرادة التغيير تعتبر من متطلبات وضرورات المرحلة.
من الممكن اعتبار المؤسسات داخل المجتمع العربي قد ساهمت بشكل أو بآخر في ترسيخ التخلف والاستبداد بجميع أشكاله ومستوياته وقامت بترسيخ سلوك الطاعة والتسليم وعدم إبداء الرأي، وهذا عائد لغياب الاستراتيجيات التنموية الشاملة وعدم وجود خطط تنفيذية على مستوى هذه المؤسسات .
حالياً علينا التركيز على كيفية التحول التكتيكي والاستراتيجي الذي ينشأ في بطون المسائل والمرتكزات الأساسية المتعلقة بمؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية والتعليمية والإعلامية والدينية بما يتوافق وخلق الإنسان المبدع المبادر والمخاطر.
من الضروري أن يكون هناك هدم لبعض أدوات وأساليب التنشئة، هدم لأساليب التفكير والتعامل المرتكز على التعقيد والتشابك وفهمنا الخاطئ لها. كما لا يفوتنا التنويه على دور المرأة الفاعل الذي أصبح ضرورياً ومهماً في حياتنا بسبب علمها واجتهادها وإبداعها في كل الساحات ولا بد لكل دولة من الإحاطة بهذا وعدم تجاهله لأنها أثبتت وجودها فعلياً، وليس ديكوراً أو مظهراً كما
يراها البعض أو يعتقد.
لقد ترسخت في ذهن المواطن العربي مجموعة من المسلمات والبديهيات والثوابت التي عملت على جعله منغلقاً داخل نفسه وعرضه للفكر الخارجي، وغيبته عن المساهمة في التطور العربي والحضاري العالمي المنشود الذي نحتاج إليه، مثل وجود شخصيات ناجحة في التفكير تخرج عن الأطر التقليدية، وقد أشار الدكتور علي الوردي في كتابه خوارق اللاشعور إلى هذه الجدلية حيث قال " والواقع أن المنغمس في إطاره الفكري والذي يجمد على ما اعتاد عليه من مألوفات اجتماعية وحضارية يصعب عليه أن يكون مبدعاً أو عبقرياً. إن الإطار الفكري مؤلف كما ذكرنا من العقد النفسية والعادات الاجتماعية والقيم الحضارية وهذه تعتبر بمثابة العراقيل التي تقف في طريق الإبداع الحر" .
لاشك .. توجد حالياً العديد من المبادرات الشبابية والنسائية في مختلف القطاعات والمناحي فردية كانت أم عامة تركز على المنظومة الإبداعية، الأخلاقية والفكرية المتزنة وإعادة تفعيل الفرد في المجتمع والدولة، منها : مشروع برنامج خواطر في السعودية، مشروع الجليس في دولة الكويت علي سبيل المثال لا الحصر، ومن الممكن أن تدّعم هكذا خطوات جريئة إداريا ًويتم تبنيها في وزارة أو هيئة مستقلة تفيد المجتمع وتكون الداعم الأساسي لهكذا مشاريع تنموية خلاقة، ولابد هنا من الإشارة إلى ضرورة دمج هذه المبادرات ضمن إستراتيجية التنمية الوطنية لتسريع عملية النهوض والبناء.
كما أن هناك بشائر صحوة في بلادنا اليوم تؤهلنا أن نبني عليها واقعاً جديداً يساعدنا على بناء مؤسسات ثقافية جاذبة للعامة في حوار يدار بين روادها يعاد من خلالها طريقة النظر إلى الماضي من أجل بناء المستقبل.
المرحلة تتطلب منابر إنجاز شاملة تكون جديدة بعناصرها ومكوناتها البشرية والفكرية، نظيفة من الأنا والسلبية والشللية، تتلون فيها الأفكار بإظهار التميز خدمةً للوطن.
ونختم بقصيدة للشاعر فرج أبو الجود بعنوان /هبي إلى سطح الجبل:
هبي إلى سطح الجبل بالجد يسبقه العمـــل
ودعي الخمول وأقبلي ودعي التردد والكسل
يا أمتي لا ترقــــــدي وصلي فبعدك قد وصل
إن النجوم بعيـــــــدةٌ للسائرين على مهـــل
لا ترجعي لا تركعي لا تسمعي من لم يزل
إن السماء لمن علا والأرض تخضع للبطل