قال الشيخ محمد الغزالي
انظر إلى المسلمين اليوم ماذا يقدمون للعالم: شورى هي حبر على ورق،
تراحم هو حديث منابر،
شعائر توقف فيها نبض الحياة.
أي شيء نقدمه نحن للناس في أرجاء العالم نقدم قرآنًا نحن أجهل الناس به،
وسُنة نحن عنها غافلون.
ولغة عربية نحن بها جاهلون.
إننا منتمون للإسلام ونحن منكرون له في وقت واحد،
منتمون له بالميراث خارجون عليه ماديًّا وأدبيًّا.
فما أكثر الذي يتمسحون بالإسلام وهم عنه صادون،
أو يتمسكون بشكليات منه وهم عن روحه معرضون،
أو يؤمنون ببعض كتابه وبالبعض هم كافرون
أو يحتفلون بأعياده وهو لأعدائه موالون.
أنا لا أعتبر التتار هم مسقطو الخلافة الإسلامية في بغداد، إن الخلافة أسقطتها من قبل قصور مليئة بالإثم متخمة بالملذات.
ولا أعد الصليبيين هم مسقطو دولتنا في الأندلس.. إن المترفين من أبناء الإسلام هم الذين أنزلوا راية الإسلام في تلك البلاد.
إن ملوك الطوائف في الأندلس لم يكونوا أبناء طارق بن زياد ولا غيره من الأبطال الذين باعوا أنفسهم لله.
إننا نحن قبل غيرنا العقبة الأولى أمام دين عظيم،
إن التحدي الأول يجيء من داخل أرضنا ثم تجيء من بعده تحديات الأعداء الآخرين.
حدث ثوبان رضي الله عنه عن النبي أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال يا محمد: إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة وألا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها».
والحديث ظاهر في أن مصائبنا من أنفسنا قبل غيرنا، فإذا وقع ذلك في دار الإسلام فينبغي أن ننظر إلى ما وراء هذه الدار لنرى مسافة الاختلاف بيننا وبين غيرنا.
وعن المستورد القرشي رضي الله تعالى عنه قال عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال له عمرو: أبصر ما تقول؟ قال: أقول ما سمعت عن رسول الله. قال عمرو: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعًا؛ إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين وضعيف ويتيم، وخامسة أمنعهم من ظلم الملوك.
وقد أسال نفسي: إذا كان المرء يبيت في دمشق أو بغداد عواصم الخلافات الكبرى غير آمن على ماله ونفسه، ويبيت في لندن أو باريس أو واشنطن مستريح الطرف والقلب، فمن يعطيه ربُّك قيادة الإنسانية ويقر الأمور في يده.
إنني لن أفهم أبدًا لماذا يدخل الغزاة البيض إلى أرض الإسلام معمرين؟
لماذا ينجحون في إخصاب الأرض الجدبة حيث يفشل مسلم؟ لماذا يتضاعف إنتاج الأرض في أيديهم ويقل في أيدينا؟
لماذا يستخرجون الكنوز من بطن الأرض ولا نحسن استغلال ما استخفى وما استعلن من ثرواتها؟
إذا كان بعض الناس يقدم للمحاكمة على جرائم ارتكبها؛ فإن هناك أمة يجب أن تُحاكم على تفريطها الشائن في تكاليف ربها التي قال لها (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة: 29].
وسوم: العدد 729