قدوة القيادة في الإسلام 19
قدوة القيادة في الإسلام
الحلقة التاسعة عشرة :
الوصول إلى المدينة المنوّرة
د. فوّاز القاسم / سوريا
لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة حدثاً هائلاً في تاريخ الدعوة الإسلامية ، نقل الجماعة المسلمة ، ونقل الأمة من ورائها ، من طور إلى طور ، ومن واقع إلى واقع .
ولم تكن تلك الهجرة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، مجرد تغيير سكن ، أو تغيير وطن ، فحسب ..
بل كانت قبل ذلك ، تغيير واقع ، وتغيير مرحلة ، وتغيير ظرف ، وتغيير خطة ، وتغيير أولويات ، وتغيير اهتمامات …
لقد كان من جوهر خطة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الاستضعاف في مكة ، هو الصبر ، وكف الأيدي ، واحتمال الأذى ، وعدم المواجهة مع الجاهليّة .
وكان من أولى أولوياته ، الدعوة ، والبناء …
دعوة الناس بحذر شديد إلى الإسلام .
ثم بناء المدعويين ، بصبر وأناة فائقين ، ليكونوا لبنات جاهزة لتشييد صرح الإسلام العظيم ، والدفاع عنه ، عندما يحين الوقت لذلك ..
وها قد أزفت الساعة ، وحان وقت التنفيذ ، فلقد ذهبت مرحلة الخوف، والصبر، واحتمال الأذى ، وكف الأيدي .
وبدأت مرحلة الأمن ، والقوة ، والعزة ، والجهاد :
(( أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا ، وإنَّ الله على نصرهم لقدير )).
ولذلك .. ما إن وطئت أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض المدينة المنورة ، حتى بدأ يضع خطته الجديدة على ضوء الواقع الجديد …
ولئن كان أهم عنصر في مرحلة الاستضعاف هو (الدعوة) المصحوبة (بالصبر) ، فان أهم فقرة في مرحلة التمكين هي (الدعوة) أيضاً، ولكن المدعومة (بالقوة) ، والمحمية (بالجهاد) ، والمنطلقة من (الدولة) ...
ولهذا فإن أول عمل عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض التمكين هو : تأسيس أركان الدولة الإسلامية الداعية ، وبناء الجيش الإسلامي المجاهد ، الذي يدافع عن هذه الدولة ويحميها ، ويكون قادراً على تحطيم كل الحواجز ، وكسر كل القيود ، وإزالة كل العقبات ، التي تحول دون إيصال صوت الدعوة الخالد إلى كافة أرجاء الأرض ….
وفي هذا القسم (الثاني ) من هذه الدراسة ، سنتعرف على منهج وقدوة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ، في تنفيذ هذه الأولويات الجديدة ، ليقتدي بها كل من أنعم الله عليه بنعمة الجهاد والتمكين ..