حياتنا اليوم

جاءتني منهارة .. قالت بأسى :

ـ والله يا أختي كرهت نفسي .. كرهت صغاري .. صرت أشعر أن أولادي عبء علي وعلى أهلي وعلى والدهم وعلى المجتمع .. إن صارت دعوة للغداء تلمح لي أختي بأن لا أحضر الصغار .. إن اتفقنا على مناسبة يبدأ تسميع الكلام بأن لا نصطحب صغارنا .. في المحاضرات في الأعراس في كل مناسبة حتى في الصلوات ودروس المساجد ممنوع اصطحاب الصغار .. لم يعد أمامي سوى حل واحد وهو العزلة من أجل الصغار .

استمعت إليها وسرحت بخاطري إلى سنوات قليلة خلت .. حين كان صغاري سبباً في حرماني من كل مناسبات الأهل والصديقات والأقرباء .. حين كنت منبوذة من المجتمع والكل يتثاقل مني ومن صغاري حتى أقرب المقربين إلي .. مجتمعنا بات مجتمعاً مادياً بحتاً .. بلا عواطف ولا مشاعر ولا مودة ولا لون لحياتنا ولا طعم .. الكل يسعى لجمال منزله من التحف والأثاث الفاخر .. المحاضرات قد تقدم فيها الضيافة الفاخرة والعدد محدود للكبار فقط .. وكأن الحياة اقتصرت للبالغين فقط وتلك الشريحة الرقيقة مهملة .. تلك الفئة الطفولية المليئة بالحياة والحيوية والسعادة والأمل منبوذة .. تلك الطائفة التي سيقام مستقبل الأمة عليها مطروحة جانباً وكأنها مرض في المجتمع لا عماد المستقبل .. لا ملاعب لهم في قاعات المحاضرات .. لا مكان لهم في المساجد .. لا قلب يحويهم في بيوت الأقارب والمعارف .. ونستغرب حين يكبر الصغير وتجده شاباً بشوارب ولا يجالس أعمامه وأخواله ولا يصل خالاته وعماته .. ونضع اللائمة عليه وعلى تربيته ونحن من جعلناه ينعزل ويبتعد بل ويرى نفسه ليس أهلا لمجالستهم أو زيارة أحد منهم .. قلدنا الغرب في عالمهم المادي الخالي من العواطف ولكن تقليداً أبلهَ متخلفاً .. فالغرب يحترم الإنسان وإنسانية الإنسان ويقدر الصغار ويحافظ على مشاعرهم .. عالمهم مادي لكنه مغلف بالفهم والتقدير وإعطاء كل ذي حق حقه .. أما نحن فضيعنا حق الصغار فلما كبر الصغار ضيعوا حقنا نحن الكبار ..

ترى الأم لا تطيق الجلوس مع ابنتها ساعة .. والأب يتأفف ولا يطيق صحبة ولده للمسجد أو لأي مكان آخر .. ويضيع الوالدان جل وقتيهما على شاشات الهاتف أو أمام شاشات التلفاز ، ولما تكبر الصبية ويكبر الفتى يتفلت كل منهما من صحبة الوالدين فيغضب الآباء وتحزن الأمهات ولا يدرون أنهم من ضيعوا صغارهم في الأمس فكان الجزاء من جنس العمل فضيع الأبناء الآباء والأمهات اليوم وقد يستمر الضياع للغد لا سمح الله ..

صرخة أنثى بل صرخات من نساء العرب افتحوا الأبواب في وجوه الأطفال .. تقبلوا الأم بصغارها .. تقبلوا الحياة كما أرادها الله لا كما أرادتها الحياة المادية الحديثة ....

وسوم: العدد 735