صناعة البناء في الأندلس منذ قيام الدولة الأموية وحتى سقوط غرناطة
صناعة البناء في الأندلس منذ قيام الدولة الأموية وحتى سقوط غرناطة (138 – 897 هـ / 756- 1492 م ) دراسة تاريخية أثرية.. للباحث الدكتور إبراهيم الناقة..
نوقشت مؤخراً في كلية الآداب جامعة الإسكندرية رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث إبراهيم السيد إبراهيم الناقة، بعنوان "صناعة البناء في الأندلس منذ قيام الدولة الأموية وحتى سقوط غرناطة (138 – 897 هـ / 756- 1492 م ) دراسة تاريخية أثرية" بإشراف الأستاذة الدكتورة سحر السيد عبدالعزيز سالم، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، والأستاذ الدكتور كمال عنانى إسماعيل رئيس قسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية...وحصل عليها الباحث بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى..وقد أثنت اللجنة المشكلة لمناقشة الرسالة على الرسالة، وأنها دراسة قيمة وجديدة وهي الأولى من نوعها في مصر والعالم حتى في أسبانيا، وقد منح الباحث درجة الدكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية مع التوصية بطلع الرسالة على نفقة الجامعة وتبادل الرسالة بين الجامعات المصرية والعربية...وقد بذل الباحث جهده في تجميع مواد بحثه وعانى في هذا الكثير، حتى تحقق له ما يريد مع أنه لم يعاين بنفسه الآثار والبنايات المتبقية في الأندلس، وركز عى ما أوردته كتب التاريخ، وعندما شارف على الانتهاء من بحثه رحل المشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور/ أحمد مختار العبادي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية.. فأخذت بيديه الدكتور سحر السيد سالم، وقررت الإشراف على الرسالة حتى تمت مناقشتها..
وتعد صناعة البناء من الصناعات الهامة في المدينة الإسلامية ، وهي المرآة التي تعكس الحالة الاقتصادية والسياسية للمدينة الإسلامية ازدهاراً أو انهياراً حيث تتأثر حركة العُمران بالحالة الاقتصادية والسياسية، فإذا كانت الحالة السياسية للدولة مستقرة كثرت المنشآت وتفنن الحكام في تنميقها والعكس إذا كانت الحالة السياسية غير مستقرة من حروب خارجية أو ثورات داخلية، كذلك إذا كانت هناك سعة وبحبوحة في العيش كثرت المنشآت العامة والخاصة وزيد في زُخْرُفِها وبُولِغَ في تجهيزاتها وفرشها من الداخل ، ولصناعة البناء أهمية خاصة ترتبط بالحرف المتعلقة بها مثل النجارة والحدادة وصناعة الزجاج والجص وغيرها من الصناعات ..... ألخ .
ولصناعة البناء أهمية اجتماعية حيث أنها تظهر صوراً من الحياة الاجتماعية يمكن تتبع الحياة الاجتماعية للعاملين بصناعة البناء من بنائين وحرفيين وغيرهم ، وتشير المصادر الجغرافية إلى غنى المدن الأندلسية بمواد البناء مثل؛ الحجر والرخام والجص وكذلك الآجُر ومما يَجْدُر ذكره أنه كان هناك سوقاً للطوابين بعدد من المدن الأندلسية.
ولم أتعرف على أبحاث متخصصة ومستقلة تبحث في صناعة البناء في الأندلس، ولكن الحديث عن صناعة البناء في الأندلس جاء ضمن موضوعات أخرى مثل الحديث عن العمارة بمختلف أنواعها أو الحديث عن الحياة الاقتصادية أو الحياة الاجتماعية أو دراسة المدن ، وقد أشارت هذه الموضوعات إلى صناعة البناء في الأندلس في طياتها .
ولأن موضوع صناعة البناء في الأندلس ينقص المكتبة الأندلسية لهذا فقد رأيت البحث في هذا الموضوع محاولاً إبراز أهميتها من الناحية المعمارية مع إشارات لأهميتها الاجتماعية .
وتكمن صعوبة البحث في هذا الموضوع في قلة حديث المصادر العربية عن العمائر في مدن الأندلس اللهم إلا العمائر الدينية (المساجد)، وتُعد كتب الجغرافية والمصادر التاريخية والمراجع الحديثة (العربية والمعربة ) أهم مصادر الدراسة حيث اشتملت كتب الجغرافية على ذكر إشارات لمختلف العمائر في المدن الأندلسية وكذلك شهرة كل مدينة بمواد البناء التي تحتويها ، كما أمدتنا مصادرنا التاريخية بمعلومات هامة عن اهتمام الحكام وعلية القوم بالعُمْرَان والمنشآت التي أقاموها ، كما أشارت كتب الحسبة إلى صناعة البناء في الأندلس عن طريق ذكر الصناعات..
ورغم أهمية صناعة البناء في الأندلس إلا أنها لم تعالج بأبحاث تتناسب مع أهميتها، ولهذا فقد رأي البحث في هذا الموضوع، وقد وضع الباحث أمامه ثلاثة أهداف آملاً الوصول إليها:
الأول : إبراز أهمية صناعة البناء في الأندلس من الناحيتين والمعمارية والفنية .
الثاني : إبراز أهمية عُرَفَاء البناء في الأندلس ودورهم في تخطيط وتنفيذ العمائر المختلفة .
الثالث : التأكيد على بقاء الأسماء العربية لعدد من المنشآت في أسبانيا النصرانية .
وقد اعتمد الباحث في هذه الدراسة على منهج يقوم على الدراسة الدقيقة للنصوص التاريخية والجغرافية مع محاولة تحليلها، وكذلك منهج وصفي للعمائر الأندلسية وطرق الصناعة المختلفة فيها .
وقد قسم الباحث رسالته إلى دراسة تمهيدية، وخمسة فصول .
وقد اشتملت الدراسة التمهيدية على خمس نقاط :
في النقطة الأولى : تحدث عن تعريف صناعة البناء كما حددها ابن خلدون وكيف أنها من أهم الأعمال على الإطلاق .
والنقطة الثانية : تناول فيها التراث المعماري في أسبانيا قبل الفتح وهي منشآت الرومان ومنشآت القوط الغربيين ؛ مثل بناء المدن والقناطر الرومانية والتي استمرت حتى العصر الإسلامي واستخدمها الفاتحون – في البداية - بدلاً من بناء عمائر جديدة ، إضافة إلى المنشآت القوطية المحدودة ولاسيما أسوار طليطلة .
والنقطة الثالثة: فقد تحدث فيها عن النشاط المعماري في الأندلس في عصر الولاة ( 92 – 138 هـ / 711 – 755م ) ، والذي اقتصر على إنشاء بعض المساجد والأسوار وترميم عدد من القناطر والأسوار .
أما النقطة الرابعة : فقد تحدث فيها عن اهتمام الحكام بالعُمْران في الأندلس مثل: عبد الرحمن الداخل، وعبد الرحمن الناصر، والمنصور مُحمد بن أبي عامر، وغيرهم .
والنقطة الخامسة: تحدثفيها عمارة وتخطيط المدن الإسلامية في الأندلس من حيث المراكز العمرانية بها وبناء المدن الجديدة في الأندلس وكذلك المدن الملكية .
أما الفصل الأول وعنوانه: مواد البناء في العمارة الأندلسية :
فقد تعرض الباحث لمواد البناء المختلفة من: اللبن والآجُر والحجر والرخام ، والجص والأخشاب والحديد والنحاس والذهب والفضة والزجاج ومناطق تواجدها بالأندلس واستخدامات هذه المواد في البناء وتزيين العمائر الأندلسية المختلفة ولاسيما المساجد والقصور واستخدام مسامير الذهب والفضة في صناعة المنابر والكراسي وتصفيح أبواب المساجد والقصور ، كما تحدثت عن تأثير العمارة والفنون الأندلسية في البلدان الأخرى ، واختتمت الفصل بالحديث عن عرفاء البناء ودورهم في تخطيط وتنفيذ العمائر المختلفة .
والفصل الثاني : صناعة البناء في العمارة الدينية (المساجد) :
وفيه تحدث عن طرق بناء المساجد وعناصرها المعمارية والزخرفية مركزاً على نموذجين فقط ؛ هما مسجد قرطبة الجامع وجامع إشبيلية الموحدي ( جامع القصبة ) ، وعناصرهما المعمارية المختلفة مثل الأعمدة والدعائم ، والمحراب والنوافذ والعقود والمآذن والواجهات ، بالإضافة إلى الملحقات الأخرى للمسجد مثل المنبر والأبواب وطرق تصفيحها ، والثريات وطرق الإنارة وكسوة الجدران وطرق زخرفتها وطرق فرش الأرضيات .
أما الفصل الثالث: صناعة البناء في عمارة الدور والقصور :
فقد تحدث فيه عن العمارة المدنية ومكوناتها ومنها الدور والقصور ، موضحاً مميزات الدار الأندلسية وفقر زخارفها الخارجية وغناها الزخرفي من الداخل ، وطرق بنائها وعدد طوابقها وتخطيط الدار الأندلسية ، ومكوناتها المعمارية وطرق زخرفتها موضحاَ أهميتها من الناحيتين المعمارية والزخرفية ، ثم تحدثت عن القصور في الأندلس وكيف أنها كانت مظهراً من مظاهر الأبهة والعظمة وقوة السلطان ، فتحدثت عن قصر الإمارة في قرطبة والقصور الأموية منذ عبد الرحمن الداخل مروراً بعبد الرحمن الناصر وتأسيسه لقصور الزهراء وأخيراً تشييد المنصور مُحمد بن أبي عامر لمدينة الزاهرة وقصرها ، وتطرقت لبعض قصور دويلات الطوائف مثل قصر المأمون بن ذي النون بطليطلة وقصر الجعفرية بسرقسطة وزخرفتها وبنائها وتأثير القصور الإسلامية في الأندلس في قصور أسبانيا المسيحية .
والفصل الرابع : صناعة البناء في عمارة المنشآت العامة :
وفيه تحدث عن عمارة المنشآت المائية كالقناطر والحمامات والأسبلة ، وذكرت القناطر السابقة على الفتح الإسلامي للأندلس والقناطر التي أنشأها حكام الأندلس وترميم البعض الآخر، وكذلك تحدثت عن الحمامات الإسلامية في الأندلس وأهميتها ومركزها بالنسبة للعمران المدني الأندلسي، بالإضافة إلى الحديث عن المنشآت التجارية مثل الفنادق والقيساريات والحوانيت وشكل الحانوت من خلال التصاوير الواردة في أناشيد ألفونسو العاشر ، كما تحدثت عن دور صناعة السفن في الأندلس والمدارس وأعمال الترميم والصيانة التي تمت للعمائر الأندلسية .
أما الفصل الخامس : صناعة البناء في العمارة الحربية :
فقد بدأ الباحث هذا الفصل بالحديث عن الأسوار وطرق بنائها وطرق رص الطوب والأحجار بتلك الأسوار وكذلك الحصون بالأندلس وطريقة البناء بالطابية لعدد من أسوار وحصون الأندلس .
وقد اختتم هذا البحث بخاتمة ضمنتها أهم النتائج التي توصلت إليه وذيلتها بقائمة بالمصادر والمراجع التي استعنت بها في هذا البحث ثم بعض الملاحق .
ونتمنى من الباحث طبع هذا البحث القيم حتى يستفاد منه الباحثون والمتخصصون في الآثار والتاريخ ..
وسوم: العدد 736