هل السلفية شرط لصحة الإسلام ؟

طرحت في المقال السابق جملة من الأسئلة خلاصتها : هل الانتماء للسلفية شرط لصحة إسلام المسلم ؟ وهل يبقى مسلما إذا كان أشعري العقيدة ، متبعا لأحد المذاهب الفقهية الأربعة ، منضما لجماعة دعوية ؟

من المعلوم أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مسلم ، لا يُخرجه من هذا الحكم سوى الردة أو إذا أتى من الأقوال أو الأفعال ما لا تأويل له إلا الكفر ، أما اختلاف الآراء الفقهية والفكرية وحتى جزئيات العقيدة فلا تُخرج من الدين بل هي أمر طبيعي جدا .

هناك مسألة يجب إزالة الشبهات عنها وهي اعتقاد أتباع الفرقة الوهابية أنهم هم وحدهم أهل السنة وأتباع السلف الصالح والفرقة الناجية وغيرهم من المسلمين في النار ، وهذا ادعاء يكفي إيراده لبيان فساده لأنه قمة سوء الظن بالمسلمين الركع السجود الصوّامين القوامين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الدعاة إلى الله  المجاهدين في سبيله في جميع الأزمنة والأمكنة ، ومعظم أتقياء الأمة ومفسريها وفقهائها وأصولييها وفاتحيها عبر العصور لم يكونوا حصريا من " السلفية " بل من مدارس عقدية ومذاهب فقهية مختلفة.

ومحلّ نظر الله هو القلب والعمل وليس الشكل والمظهر ، ولا يوجد بالنسبة للرجل " لباس شرعي " بل هو لباس إنساني ( بخلاف المرأة فقد أمرها الله باللباس الشرعي ) ، وليست الثياب واللحية مقياسا للحكم على استقامة مسلم ، ثم نحن دعاة ولسنا قضاة ، لا نملك مفاتيح الجنة والنار ، فلا ننتصب للحكم على الناس وإنما ندعوهم إلى الخير وندعو الله لنا ولهم بخير الدنيا والآخرة ، ولا يصدر هذا السلوك إلا من صاحب قلب تقي نقي سليم منيب ، ليس فيه حقد على مسلم ولا قسوة وضغينة ، كما أننا لا نضيّق ما وسّعه الله من الأفكار والآراء والمذاهب ، والاختلاف سنة الله في خلقه ، ولحكمة بالغة لم ينزل القرآن الكريم بقراءة واحدة بل هناك قراءات متعددة أشهرها حفص وورش وذلك منذ تنزّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان كلام الله هكذا فكيف بكلام غيره ؟

والمسلم التقي الورع أبعد الناس عن الغلظة والخشونة بل يميل إلى الرفق والتيسير في جميع أموره حتى مع أشدّ المخالفين ، كلامه طيب ، عشرته سهلة ، معاملاته حسنة ، أسلوبه راق.

يحقّ للمسلم أن ينتمي إلى جماعة تدعو إلى الله أو حزب يعمل على نصرة الاسلام وخدمة الأمة أو نحو ذلك من الفضاءات المجتمعية على أن يتسلح بالإخلاص ويتبع شرع الله تعالى في نشاطه كلّه.

المسلم يصلي في أي مسجد و خلف أي إمام ، ويقرأ لأي عالم في الدين أو داعية أو مصلح مهما كان مذهبه او توجهه الفكري ، بل يقرأ في جميع الفنون ولجميع المؤلفين لتتسع ثقافته وتتنوّع معارفه ، لا يجمد على رأي ولا يتعصّب لجهة ولا يقدس مرجعا من المراجع البشرية.

واقعُنا المتردي في حاجة إلى رفع مستوانا الفكري والسلوكي وإلى جمع طاقات الأمة في ظلّ الأخوة الايمانية والمحبة والتعاون في مساحة المتفق عليه والتقليل من مساحات الاختلاف ، أوَليس عيبا أن الشعوب تتكتل على المصالح ونحن نتفرق بسبب خلافات دينية  ونح ننتمي للإسلام العظيم؟

يجب أن نربي أنفسنا وأجيالنا على حسن الظن بجميع المسلمين والتعاون معهم  واحترام جميع العلماء الثقات العاملين وعدم الطعن في أي منهم ، وإشاعة أساليب الحوار والنقاش والاستماع للآخر والتسليم للحق مهما كان مصدره ، ولا يجوز أن نبغض من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليم وسلم ، وعلينا أن نبتعد نهائيا عن تبديع المسلمين وتضليلهم فضلا عن تكفيرهم فهذا أمر خطير جدا يصيب العقيدة ذاتها.

بغضُنا ينصرف للظالمين والطغاة المستبدين وأعوانهم الذين يفسدون الدين والدنيا معا.

أيها الشباب المؤمن من أراد التميّز فليتميّز بتقواه لله وأخلاقه الرفيعة وبتفوّقه العلمي وعمله وإبداعه لخدمة امته والإنسانية جميعا... ذلك هو الاسلام.

وسوم: العدد 736