انتصارات الديكتاتور

سهيل كيوان

عملت ماكينة إعلام النظام السوري على تصوير حربها في مواجهة انتفاضة الشعب السوري على أنها مواجهة ضد قوى عالمية شريرة (أمريكا-الناتو-إسرائيل-أنظمة عربية- والإرهاب العالمي)، هؤلاء يدعمون قلة قليلة من ‘الخونة’ المحليين الذين باعوا بلادهم وشعبهم بثلاثين من اليورو! وبما أن جيش النظام يحقق انتصارات عسكرية في الآونة الأخيرة على كل هذه القوى العاتية وها هو يهزم إسرائيل والناتو والإرهاب العالمي والأنظمة العربية الداعمة له فهذا يعني انتصار نهجه، ويؤكد شرعيته، وليس على الشعب السوري الآن سوى أن يبتهج ويخرج للتظاهر استقبالا لجيشه المنتصر الذي لا مثيل لنصره سوى النصر على النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية. 

وحسب إعلام النظام فالإنتــــفاضة قامت أصــلا بهدف محاربة الجيش وتدمير الإقتصاد وتشريد ملايين السوريين وقتل وجرح مئات الآلاف منهم،ولإحتلال سوريا، بينما ينتفض جيش النظام ويضحي بكل هذه الأرواح كي يحرر الوطن، بل وراح يتصرف وكأنه يقاوم محتلا بالفعل، وردّ على غارات إسرئيل المحتلة لأرضه منذ عقود بأن أغار على دمشق وحمص وحلب وغيرها. 

أكثر ما يحز في النفس في هذا الواقع المشوّه هو عندما تعلن أبواق النظام عن قيام الطائرات السورية بدكّ مدن وقرى سورية، الخجل هو الشعور الذي يجب أن يشعر به الطيار الذي يقوم بمثل هذه المهمات، هذا الطيار العربي الذي لم يتح له أن يقصف قوات تحتل بلاده منذ عشرات السنين، هذا الطيار الذي لم يشتبك مع طيران العدو الذي يُغير على بلده بين فينة وأخرى ولا مرة واحدة، لا شك أن طيارًا في الخمسين من العمر لا يستطيع أن يذكر اشتباكًا واحدًا مع طيران العدو، ولكنه يرمي حمولته من الموت والدمار فوق أحياء محاصرة يعيش فيها أبناء شعبه الجوعى في أحيان كثيرة دون شعور بالخزي والخجل، وكي نكون واقعيين ربما أن هناك من يخجل ولكنه عاجز على التعبير عن خجله، لأن عقوبة الخجل قد تكون الإعدام، وقد يمضي بعض الطيارين بالوهم بأنهم يحاربون العدو من خلال قصف بلدهم، على الأقل من أجل توازنهم النفسي، وربما أنهم يهنئون بعضهم البعض بالنجاح بعد كل غارة على أحياء سوريا المدمرة! 

ربما هناك بعض التقدم لقوات النظام على الأرض، لكن الإنتصارات العسكرية المدعومة مباشرة بمقاتلي حزب الله وإيران وبتظهير من دولة عظمى هي روسيا لا تعني شرعية النظام واستمراره، ولو كانت الإنتصارات العسكرية تشرعن الباطل لكانت القضية الفلسطينية انتهت منذ عام النكبة، هزيمة العرب العسكرية تكررت مرات كثيرة على يد إسرائيل، ولكن هذا لم يجعل الإحتلال وتشريد شعبفلسطين أمرًا مشروعًا، دخول المستوطنين كل أسبوع إلى حرم أولى القبلتين وثالث الحرمين وآخرها يوم أمس الإربعاء بقوة السلاح لا يعني أن احتلال القدس والأقصى بات مشروعًا، إعلان المزيد من بناء المستوطنات على أرض فلسطين لا يجعلها شرعية، لكنه يعني وجود خلل في توازن القوى لصالح الباطل، إن للباطل جولات وليس جولة واحدة فقط. 

ما صرح به السيد حسن نصر الله قبل أسبوعين بأن بشار الأسد سيرشح نفسه وسوف يفوز بالانتخابات الرئاسية هو استفزاز لمئات آلاف الشهداء والجرحى، ولملايين المشردين ولمشاعر الشعب السوري.

السيد نصر الله لم يبد مزهوًا بانتصارات حليفه فهو يعرف أنها ليست انتصارات، وهي أفعال لا يفتتخر بها، وطاقات هدرت وتهدر خدمة للباطل. وهو يعرف ويتناسى بشكل مقصود (فهو ذكي بما فيه الكفاية) أن الإنتفاضة السورية لم تقم أصلا لتحقيق نصر عسكري على الجيش السوري أو لتدميره، ولم تقم لمحاربة إيران أو حزب الله، والشعب السوري الذي احتضن المقاومة عندما كانت بالاتجاه الصحيح لم يتسلل ولم يندس إلى طهران لاحتلالها وليس لدى المنتفضين السوريين صواريخ تصل الضاحية ولا طيران (إف 15) لقصفها، العكس هو الصحيح، النظام استغل قيادة الجيش الموالية وعبودية حزب الله لإيران ودعم روسيا غير المحدود في مواجهة الشعب السوري. 

منذ البداية حاول إعلام النظام فرض ثنائية تقول إن المعارضين للنظام هم المسلحون وأما غير المسلحين فهم مع النظام، وهذه معادلة مضلِّلة. 

غالبية الشعب السوري انتفضت ولكن لم يلجأ كل المنتفضين للسلاح لأسباب كثيرة، أكثرية المنتفضين عادت لتصمت على مضض بعد تحول الإنتفاضة إلى حرب أهلية، وشعروا بخطورة ما يحاك للشعب السوري من قبل النظام نفسه ومن أعداء الربيع العربي الذين قصدوا تخريبه بمجموعاتهم الإرهابية على الأرض السورية قبل أن ينتقل إليهم، كذلك فإن الفرصة لم تتح لكل معارض استعمال السلاح. 

الجيش السوري وطيرانه وكل أسلحته وكل رصاصة من المفروض أنها ملك للشعب السوري وليس ملكًا للنظام، فهي بنيت من أموال الشعب كل الشعب، ربما باستثناء الطغمة الحاكمة الفاسدة إياها التي ربحت وسمسرت من تسليح الجيش، لم يكن بحساب النظام أن قمعه للإنتفاضة السلمية بالسلاح سيؤدي إلى حرب طويلة الأمد، لقد ظن النظام أن يقمع الناس بحرب ـ البرق- ويحسم الأمر على الطريقة الهتلرية، ولكن جرت الأمور بشكل مختلف تمامًا عن تصور النظام، كذلك المنتفضون الذين أبدعوا بشتى ألوان الفنون في بداية انتفاضتهم، لم يتخيلوا أن تصل وحشية النظام وأعداء الربيع العربي إلى هذا المدى من الدموية.

أقل ما يمكن قوله بترشيح الأسد لنفسه أنه إيغال الديكتاتور في دمويته، الديكتاتور الذي استلم الحكم بتوصية من الوالد تصرّف كما لو كانت البلاد ملكًا خاصًا له ولبطانته وأسرته والمقربين، ثم وبسادية مفرطة وبعد نهر من الدماء يعلن أنه سيعيد ترشيح نفسه، وسواء وصل مرحلة الترشح أو لم يصل، وسواء نجح بفبركة انتخابات شكلية أم لم ينجح، فالسلاح لن يجعل من الباطل حقًا وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على نظام شيطن شعبه ودمر بلاده تمسّكا بكرسي الحكم والفساد والامتيازات الفئوية البعيدة كل البعد عن الرغبة الحقيقية للشعب السوري العظيم.