الاثنين العظيم اليوم المرتقب والوعد المنتظر
الفلسطينيون جميعاً يترقبون بفارغ الصبر وعظيم القلق صباح يوم الاثنين، الموافق للثاني من أكتوبر/تشرين أول، وعيونهم تتطلع إلى معبر بيت حانون، الموصد إسرائيلياً أمامهم، والمسمى إيرز بلغتهم، وهم ينتظرون موكب سيارات وفد حكومة الوفاق الفلسطينية، التي تقل رئيسها د. رامي الحمد الله ومعه خمسمائةٍ آخرين من الوزراء والموظفين وكبار الضباط، الذين سيدخلون قطاع غزة بموجب اتفاق المصالحة الجديد، الذي يلقى رعايةً مصريةً جادةً، ويحوز على اهتمامٍ أمني ورئاسي مصري عالي، ولكن عامة الفلسطينيين وأنا أحدهم، لا يخفون قلقلهم وخوفهم أو ينكرون توجسهم وريبتهم من الخيبة والفشل، إذ أن فشل هذه المحاولة ستكون قاصمةً، ولن يكون من السهل بعدها الوصول إلى مثلها أو ما يشبهها، فهذه المصالحة هي الطبعة الأخيرة والإصدار النهائي لها، وبعدها لن يكون هناك فرصة أخرى أو محاولة جديدة.
الفلسطينيون عموماً وفي قطاع غزة على وجه الخصوص يتمنون أن تكون إشراقة شمس هذا اليوم بدايةً جديدةً لمرحلةٍ فلسطينية واعدةٍ، مختلفة عما سبق، ومغايرةً لما مضى، تلتئم فيها الصفوف، وتلتقي القوى والفصائل، وتتفق السلطة والمعارضة، وتسقط الفواصل وتنهار العوازل، وتنتفي التناقضات، وتحل محلها لغة التوافق ومفردات التكامل، وتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ من الثقة والتفاهم، تكون قائمة على مصالح الوطن والشعب، ولا يكون فيها أدنى وجود لعصبيةٍ تنظيميةٍ أو لنزعةٍ حزبيةٍ، بل تذوب وتتلاشى مفردات أيديولوجيا الأطراف المتخاصمة أمام مفردات الحاجة الشعبية والمتطلبات الوطنية.
ينبغي أن يسبق موكب رئيس الحكومة الفلسطينية قبل أن يصل إلى أطراف قطاع غزة المعنَّى المعذب، مجموعةٌ من القرارات التي تدل على حسن النية، وتبين صدق القيادة، وتشير إلى جدية المصالحة، تبشر المواطنين وتطمئن القلقين، وتكون بمثابة الهدية التي يحملها رئيس الحكومة إلى قطاع غزة، فهذه عادةٌ قديمة قد اندثرت، ولكنها عادةٌ جميلةٌ، إذ يحمل الملوك والقادة والأمراء والسادة معهم في رحلاتهم وزيارتهم الهدايا العظيمة والأعطيات الكبيرة، ويسوقون معهم الكثير مما يطعم الناس ويسقيهم، ومما يكسوهم ويرضيهم، فهل يتأسى الحمد الله بهم ويكون مثلهم، ويقدم بين يديه أهله في قطاع غزة بعضاً مما يتمنون، والقليل مما يحتاجون، ولعله أدرى الناس بحاجتهم وأعلمهم بمعاناتهم، فهو الذي نفذ قرارات حرمانهم، وأمضى سياسات عقابهم، فلا يبخلن عليهم اليوم بهديةٍ بها يفرحون، وتسهيلاتٍ بها يستبشرون.
فهل تسبق زيارة رئيس الحكومة إلى غزة قراراتٌ بالإفراج عن المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية بتهمة الانتماء إلى تنظيماتٍ معارضة، وتطلق سراح من تعتقلهم نكايةً أو مماحكةً، أو بتهمة التمويل والتحريض، وتعلن عن إطلاق سراح الطلاب والصحفيين والمعارضين بسياستهم، والمبدعين بفنهم، والمخالفين في آرائهم، وهل يقوم بإلغاء القرارات العقابية، وتجميد إجراءات الحصار والتضييق، ووقف حملات التحريض والتشويه، ويباشر في توريد الأدوية والاحتياجات الطبية، وتغطية كلفة إمداد غزة بالكهرباء، وتسهيل تسيير القوافل التجارية والمعونات الإنسانية التي يتطلع إليها السكان بحاجةٍ، والعمل على تنفيذ ما أعلن عنه شخصياً في تغريدته على تويتر، إذ طمأن الشعب على جدية المصالحة وانتهاء الانقسام، وبشره برفع الحصار وبإمداد غزة بالكهرباء على مدى الساعة دون انقطاع، فهذا لعمري يلطف القلوب ويهدئ النفوس ويعجل في الوفاق، بل إنه يجعل المستحيل ممكناً، والصعب سهلاً.
وبالمقابل هل يستقبل الفلسطينيون في قطاع غزة بكل ألوانهم الحزبية وانتماءاتهم التنظيمية، وأولهم حركة حماس التي تدير شؤون القطاع وتسير أموره، رئيس حكومة الوفاق والوفد المرافق له بكل حفاوةٍ وترحابٍ، فيبشون في وجه، ويزيلون العقبات من طريقه، ويمهدون الطريق لفريقه، ويقدمون له كل ما من شأنه أن يعجل المصالحة، ويشغل الحكومة، ويدفعها لممارسة كامل صلاحياتها في القطاع، بما يجعل السكان يطالبونها بكل التزاماتها تجاههم، إذ لا عذر له ولحكومته بعد ذلك إن قصر أو تأخر، أو ماطل وأجل، طالما أن الأطراف في الأزمة قد سلمته ومكنته، واعترفت بسيادته وسلمت بقيادته، والتزمت بتعاليمه وخضعت لقوانينه.
ولا أنسى أن أطالب الأجهزة الأمنية في قطاع غزة بأن تقوم بالمثل، وأن تقدم بين يدي رئيس حكومة الوفاق هديةً تليق بالشعب ويستحقها، وتحق له إذ ينتظرها، فتقوم بإطلاق سراح كل من تظن قيادة حركة فتح أنه معتقلٌ في غزة ظلماً أو نكايةً، أو أنه في السجون ورقة للمساومة ووسيلة للمقايضة، كما تقوم برفع الحظر عن سفر مسؤولي حركة فتح، وإزالة المنع الأمني عنهم، والكف عن ملاحقتهم أو استدعائهم، والعمل على تسهيل عملهم وإعادة فتح مقراتهم ومكاتبهم، وتمكينهم من الاتصال بالشعب والعودة إلى أنشطة التأطير والفعل، إذ أن هذا الحق عامٌ وهو مكفولٌ للجميع، ولا ينبغي على أي سلطةٍ مصادرته، أو المساومة عليه والمقايضة به.
المسؤولية كبيرة على كل الأطراف والقوى الفلسطينية لإتمام المصالحة وضمان إنفاذها، والعمل على تذليل العقبات أمامها وعدم وضع أي عراقيل في طريقها، وهي أمانة كبيرة بين أيديهم فلا يستخفوا بها، ولا يفرطوا في حق شعبهم فيها، وليعلموا أن الأهل في غزة قد صدقوا المصالحة هذه المرة واستعدوا لها، وتهيأوا لاستقبالها وكأنها عيد، وتجهزوا لها بكل ما يليق بها ويلزمها.
فلا تخيبوا أيتها القوى رجاءه، ولا تقتلوا الأمل الباقي في نفسه، ولا تكونوا سبباً في يأسه وإحباطه، وهيا بنا جميعاً نجعل يوم الاثنين يوماً عظيماً بالفعل ومشهوداً بالعمل، ومصوناً بالصدق والإخلاص، وأن يكون يوماً معلماً له في حياتنا ما بعده، نحتفي به كل عام، ويذكره جيلنا والأجيال القادمة، أنه يوم أشرقت فيه شمس الوطن، وعلت قيمه، وارتفعت راياته، ورفرفت أعلامه، وازدانت فلسطين كلها فيه، فرحاً وابتهاجاً وأملاً واستبشاراً، إنه يوم الوحدة العظيم، يوم الاثنين الكبير.