المساعدة الدولية في الانتخابات العامة
جميل عودة
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
يمكن تعريف المساعدة الانتخابية الدولية، بأنها الدعم القانوني، التقني واللوجستي المقدم إلى المؤسسات والقوانين والعمليات الانتخابية. وهي تمتد على طيف واسع من وضع الإطار القانوني لإدارة الانتخابات، الأنظمة الانتخابية الشاملة، عمليات تسجيل الناخبين، دعم المؤسسات المدعوة إلى إدارة العمليات الانتخابية والفصل فيها شروط الموارد المالية والموارد والمعدات ومشورة الخبراء، الدعم التقني والمالي المشترك في توعية الناخبين والمواطنين، مراقبة الانتخابات ورصد الإعلام، وإلى الدعم التقني المقدم للأحزاب السياسية...
تأتي المساعدة الانتخابية الدولية دعما لقاعدة " حق الشخص في المشاركة في إدارة شؤون الحكم من خلال انتخابات حرة ونزيهة هو أحد حقوق الإنسان الأساسية التي ينبغي التمتع بها دونما تمييز. وتتطلب الانتخابات الحرة والنزيهة احتراما للحق في حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي وحرية تكوين الجماعات وحرية التنقل وغير ذلك من الحقوق الأخرى..." حيث نصت المادة 21 (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "إرادة الشعب هي مناط السلطة، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت".
وتبعا للمادة 3 من البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تتعهد الدول الأطراف بإجراء انتخابات حرة على فترات معقولة بالاقتراع السري. وتنص الوثيقة الأخيرة التي صدرت عن اجتماع البعد الإنساني في مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا الذي عقد في كوبنهاغن على أن الانتخابات الحرة التي تجري على فترات معقولة بالاقتراع السري تتسم بأهمية جوهرية للتعبير الكامل عما يتمتع به جميع البشر من كرامة أصيلة وحقوق متساوية وثابتة. وبالإضافة إلى ذلك، اعتمد مجلس الاتحاد البرلماني. الدولي في أوروبا بالإجماع الإعلان الخاص بمعايير الانتخابات الحرة والنزيهة في عام.1994
بدأت مشاركة الأمم المتحدة بالنشاطات الانتخابية منذ الستينيات عندما ساعد مجلس الأمناء بالمراقبة/ الأشراف على الانتخابات في مناطق متعددة من العالم. وفي نهاية الثمانينيات، بدأت الأمم المتحدة بالاشتراك في بعثات انتخابية بثلاث أشكال - تنظيم وتطبيق الانتخابات، الأشراف والسيطرة على الانتخابات، والتحقق من العمليات الانتخابية. ويعتبر وكيل الأمين العام للشؤون السياسية هو محور نشاطات المساعدة الانتخابية، مدعوما بقسم الشؤون السياسية التابع للأمم المتحدة (DPA/EAD). تتشارك UNDP مــــع DPA/EAD وتحتل دورا مميزا يتضمن أيضا شروط المساعدة الانتخابية المقدمة لحدث انتخابي وللأنظمة والعمليات الانتخابية البعيدة الأمد. إضافة إلى أنDPA/EAD و UNDP و عدد آخر من هيئات الأمم المتحدة مشتركة بشكل مباشر في المساعدة الانتخابية أو في النشاطات المتعلقة بالمساعدة الانتخابية.
كذلك تنشط المفوضية الأوربية European Commission منذ التسعينيات في حقل المساعدة الانتخابية، وأن الدور الأساسي للمفوضية الأوربية هو في دعم المؤسسات، الوكالات، ومجموعات الشركات التي تنفذ نشاطات المساعدة الانتخابية. هذا فضلا عن وجود عدد واسع من مقدمي المساعدة مثل: المنظمات الدولية، الإقليمية، والمنظمات الحكومية، والمنظمات غير الحكومية.
هناك على الأقل أربع طرق شاركت بها الأمم المتحدة في الانتخابات، أولا، تنظيم وإجراء الانتخابات في بلدان مثل ناميبيا، وفي هذه الحالة، نظمت الهيئة الأممية كافة جوانب العملية الانتخابية. وثانيا أشرفت الأمم المتحدة على الانتخابات عن طريق اختيار ممثل خاص للأمين العام ليشهد بصلاحية جوانب حاسمة معينة في العملية الانتخابية. وثالثا، يتولى تنظيم العملية الانتخابية جهاز وطني، ويطلب من الأمم المتحدة مراقبة الانتخابات والتحقق مما اذا كانت العملية الانتخابية أجريت بحرية ونزاهة. ورابعا، فيما يتصل بتحسين القدرة الوطنية بما يتعلق بجوانب الانتخابات المادية والجوانب الخاصة بالبنية الأساسية والجوانب القانونية، والجوانب الخاصة بحقوق الإنسان.
وحتى تقدم الامم المتحدة مساعداتها الانتخابية لابد من توفر خمسة عناصر: (1) ان تتلقى طلبا رسميا من الدولة المعنية، (2) وجود دعم عام عريض لمشاركة الأمم المتحدة، (3) وجود وقت مسبق للمشاركة الشاملة من الجانب الأممي، (4) وجود بُعد دولي واضح في الحالة، (5) اتخاذ قرار إيجابي من إحدى هيئات الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة أو مجلس الأمن.
فعملاً بقرار مجلس الأمن رقم 2110 تم تفويض الأمم المتحدة لتقديم المشورة، والمساعدة إلى حكومة العراق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات فيما يتعلق إعداد العمليات الخاصة بإجراء الإنتخابات والإستفتاءات. يقوم مكتب المساعدة الإنتخابية التابع لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق والذي تأسس في عام 2004 بتنسيق كافة المساعدات الإنتخابية التي توفرها البعثة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، من خلال فريق موحد يعرف بفريق المساعدة الإنتخابية (الفريق الدولي للمساعدة الإنتخابية) يقدم الفريق المشورة الإستراتيجية والفنية للأطراف العراقية المنخرطة في العمليات الإنتخابية، وعلى رأسها المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، ومجلس النواب، والحكومة، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، من أجل تيسير قيام عمليات انتخابية مستدامة وذات مصداقية.
ولكن قبل الاضطلاع بدور في أية انتخابات، يتعين على المقرّر الرئيسي للأمم المتحدة النظر بدقة فيما يلي: (1) هل توجد حالات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من عدمها؟ (2) هل نطاق المساعدة المطلوبة ملائم، (3) هل ستشجع مشاركة الأمم المتحدة على الثقة بدون مبرر بعملية متصدعة وزائفة؟ (4) هل ستوضع نصيحة الأمم المتحدة موضع التنفيذ من جانب الحكومة والفاعلين السياسيين الرئيسيين؟
الحقيقة، يعتمد نطاق المساعدة التقنية والمالية من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى على نوع الانتخابات (مثل الانتخابات على مستوى الدولة أو ما هو دون ذلك، والانتخابات الرئاسية، البرلمانية أو المحلية)؛ البيـــئة التي تجري فيها الانتخابات (مثل فترة ما بعد الصراع، التحـــول، الفترة الثالثة أو الرابعة لما بعد التحـــول،/انتخابات ما بعد الاستقلال)؛ وظروف سائدة أخرى (أعداد الناخبين، قدرة الاقتصاد الوطني والتمويل القومي المتيسر للانتخابات، حال تسجيل الناخبين والمؤسسات الانتخابية، التقييدات المادية... الــخ). كذلك يعتمد نطاق وفاعلية المساعدة أيضا على مدى الدعم المقدم من الجهات السياسية الفاعلة في البلاد إلى العمليات الديمقراطية بحد ذاتها، ذلك أنه، على سبيل المثال، أنهم راغبين برؤية عملية جيدة وأكثر أهمية إلى حد كبير من تحقيق محصلة تصب في مصلحتهم.
ومع أهمية المساعدات الانتخابية التي تقوم بها أجهزة الأمم المتحدة، إلا أن أهم عملية تقوم بها الأمم المتحدة في مجال المساعدة في الانتخابات هي توفير مؤسسات دولية وممثلين دوليين يتواجدون في المراكز الانتخابية لمراقبة الانتخابات كضمانة مهمة للنزاهة، والامتثال لإطار العمل القانوني وتردع الأنشطة المشكوك فيها والصراعات المحتملة. حيث إن قيام المراقبين الدوليين بتقديم التقارير الشعبية تزيد الشفافية وتساعد في ضمان مسائلة موظفي الانتخابات.
إذ تتمتع المراقبة الدولية اليوم بقبول عالمي تقريبا، وتساعد في رفع ثقة الناخب وتقييم شرعية العملية الانتخابية ومحصلتها. وقد أصبحت أيضا فرصة للتعلم لمدراء الانتخابات المحليين والمشاركين في الانتخابات. وهي تعزز التبادل الثنائي للمعرفة والمعلومات حول الممارسات الانتخابية، بما يؤدي أحيانا إلى علاقات دولية دائمة.
وإنطلاقاً مما تقدم، يرى الخبراء الدوليون نه لكي تكون المراقبة الدولية فعالة وتضمن نزاهة الانتخابات، ينبغي أن تغطي العملية الانتخابية بأكملها بدلا من جانب معين منها، كعملية الاقتراع أو عد الأصوات. وينبغي أن يتمتع المراقبين بالمؤهلات المناسبة والتدريب. حيث إن أحد أكثر الانتقادات شيوعا والموجهة إلى المراقبة الدولية، هو أنها أصبحت فرصة لــــ "السياحة الانتخابية" كذلك يتوجب الإيفاء بعدة شروط لغرض ضمان أن تكون بعثات المراقبة فعالة ويعتمد عليها من خلال توفير:
1- فترة كافية من الوقت: يجب أن يكون لبعثات المراقبة الوقت الكافي لتنظيم نفسها ومراقبة خطوات ما قبل الانتخابات (مثل تسجيل المرشحين والناخبين)، وخطوات ما بعد الانتخابات (عد أوراق الاقتراع، توحيد النتائج وتعزيز القانون).
2- مـوارد كافيــــة: تتطلب البعثات الفاعلة العدد الكافي من المراقبين المؤهلين والوسائل (الاتصالات، النقل، المترجمين ) لمساعدتهم في أداء عملهم بشكل مناسب.
3- مـراقبـــين مؤهلــــين: ينبغي أن يكون المراقبين مؤهلين ومدربين لضمان أن عملهم يتمتع بالمصداقية.
4- تغطيــــة شاملـــــــة: على المراقبين أن يقوموا بمراقبة العملية الانتخابية بشكل تفصيلي قدر الإمكان ليكونوا قادرين على اتخاذ قرار ذو مصداقية. والأكثر أهمية هو التدقيقات الواسعة النطاق التي تغطي العملية الانتخابية بأكملها.