الإنْسَانُ ..والمَادَةُ
v "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"56/الذاريات
v "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ"44/الإسراء
اقتضت إرادة الله تعالى أن تكون عَمارةُ الأرض واكتشافُ أسرار الكون وتسخيرُ مكنوناتها لصالح الحياة مهمةٌ إنسانيةٌ جمعيّةٌ..حتى إذا تخلَّف قومٌ عن النهوض بهذه الغاية الربَّانيَّة الجليلة..نهض بها أقوامٌ آخرون وهكذا لتبقى حركة عَمارة الكون دائمة ومستمرة..وهذا المقصد النبيل أمرٌ أساسٌ في مراد الله تعالى في إنفاذ سننه ومشيئته في حركة الكون..والإنسان والمادة مخلوقان مكلفان من رب العالمين بمهمة عَمارة الكون لقوله تعالى:"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"ولقوله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"والإنسان والمادة هما الشيئان المعدان من ربهما سبحانه للنهوض بهذه الغاية الربانية الجليلة لقوله تعالى:"رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"ولقول الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:"كلٌ مُيسرٌ لِمَا خُلِقَ لَه"والإنسان والمادة هما الشيئان المستعبدان لربهما لأداء هذه المهمة العظيمة النبيلة..وقد اقتضت إرادة الله تعالى أن تكون لشيئية الإنسان كيمياء وقوانين وضوابط..ولشيئية المادة كيمياء وقوانين وضوابط..وكرَّم الله تعالى الإنسان فمنحه نعمة الإرادة وحرية الاختيار..وفضلَّه على غيره من الخلائق لأنه المكلف الأول في عَمارة الكون وإقامة الحياة..والأشياء الأخرى هي مُسخرة بين يديه للنهوض بهذه المهمة العظيمة..والسير الحضاري الراشد في الأرض وفي الكون عامة يكون مع المعرفة الدقيقة لقوانين كيمياء شيئية الإنسان وكيمياء شيئية المادة سواء بسواء..والمنتج الحضاري الأمثل والآمن يكون مع تطابق وتكامل العلاقة المتوازنة بين قوانين كيمياء كُلٍ من الشيئيتين..وأي جهل أو خلل أو جنوح عن معادلة توازن تكامل قوانين كيمياء أدائهما يجنح بالحضارة البشرية إلى الدمار والهلاك..وهذا ما يفسر للنَّاس مشاهد النجاح والإخفاق والتمايز بين الحضارات عبر تاريخ المسيرة البشريَّة..وما يجعلنا كذلك ندرك سبب تنوع بصمات الأداء الحضاري ما بين حسن وسيء في لوحة الجدار الحضاري التراكمي لعطاء الإنسان على مدار الزمان وتغير المكان..وعندما نتأمل معادلة حركة أداء الإنسان والماد في البناء الحضاري..نجد أن الإنسان هو المسؤول كُليَّة عن الخطأ والصواب لأنه يملك إرادة الاختيار والقرار دون غيره من المخلوقات المادية والحيوية المُسخرة له..وفق برمجة مسبقة معدة من ربها وخالقها سبحانه للنهوض بمهمتها في تحقيق عَمارة الكون..وهنا تبرز أهمية بناء الإنسان وإعداده الإعداد الصحيح لينهض بإيجابية وهو يتعاون ويتكامل مع المادة وباقي المخلوقات في أداء مهمة الاستخلاف في الأرض..وللتوضيح أعرض صيغة لمعادلة حركة السير الحضاري..تبرز قيمة سلوك الإنسان في تحديد نوع وطبيعة المنتج الحضاري:
الإنسان + المادة + المعرفة والمنهج الأخلاقي = منتج حضاري من نوع ما
وتبقى طبيعة المعرفة والأخلاق المسؤولة عن تحديد طبيعة الحضارة إيجاباً أو سلباً..ولكن ما هي معايير المنهج الأخلاقي الإيجابي..؟باختصار أقول:كل منهج يعمل على صون قدسية حياة الإنسان وكرامته وحريته ومصالحه وسلامة البيئة بشقيها المادي والاجتماعي هو بكل تأكيد منهج أخلاقي إيجابي يحقق منتج حضاري آمن وراشد..والأمر فيه تفصل تجدونه في كتابي(الحضارة) وهو متاح مجاناً لمن يرغب والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.
وسوم: العدد 743