رسالة العلم والعمل
رقية القضاة
نحن أمة كرمها الله تعالى برسالة هي خاتمة الرسالات السماوية فأتت متممة ومصدقة لما قبلها من الرسالات متميزة عنها بجوانب عديدة جعلتها صالحة لكل زمان ومكان من يوم أنزلت إلى آخر الزمان بفضل الله.
ومن هذه الخصائص التي امتازت بها رسالة الاسلام أنها رسالة العلم والعمل معاً ولا يمكن لهذه الأمة اليوم أن تصلح إلا بما صلح به أولها وهو العلم والعمل بالعلم وكلنا يعلم أن أول ما ابتديء به رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من القرآن كلمة(إقرأ ) وبها أختصرت كل معاني العلم والمعرفة وبها فتح الاسلام باب التعلم والتفكر... والاستنباط والمعرفة أمام عقول طال عليها أمد الجهل وامتد إلى قرون موغلة في القدم فأتت هذه الرسالة والناس يغرقون في ظلام الجهل وحلكة الظلم وظلمات الخرافة والخزعبلات والعقائد الفاسدة والاختلاف الانساني حتى على المعاني الانسانية ولا أدل على ذلك من اعتبار المرأة في بعض الثقافات روح شريرة شيطانية قتلها يوازي قتل حشرة ولا يُسأل قاتلها لم قتلها... ولعل الذين يسلعون المرأة اليوم ويعتبرونها ( شيء) ومظهر خارجي قد عادوا إلى تلك الثقافات يعد أن أفلست جاهليتهم ولم يعد فيها ما يروي أرواحهم وعقولهم فماتت انسانيتهم وقلوبهم .
وتظل رسالة الاسلام هي الاكثردعوة الى العلم واستخدام العقل وتحريره من الخرافات بين جميع الثقافات والاديان يقول ادم متز في كتابه( الحضارة الاسلامية)ان اوروبافي القرن الرابع الهجري لم يكن بها اكثر من عدد محدود من المكتبات التابعة للاديرة ولا يعرف التاريخ امة اهتمت واعتزت باقتناء الكتب كالمسلمين فقدكان في كل بيت مكتبة).
ولم يعف المسلم من طلب العلم تحت أي ظرف من الظروف بل اعتبر أن بعض العلوم فرض عين على كل مسلم فقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم[طلب العلم فريضة على كل مسلم ]وقوله: " اطلب العلم ولو في الصين" خير دليل على دفع المسلم إلى طلب العلم والخوض في بحره من أقصى شاطئ إلى أقصى شاطئ ولقد فاضل الله تعالى بين خلقه بقوله : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" فرجحت كفة العلماءعلى كفة الجهلاء رجحاناً عظيماً... جعل العقول النيرة
تنهل من شرف التعلم والتفقه والسعي الجاد لتحصيل أقصى درجات الحكمة [فالحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها].
ولقد فهم المسلمون الأوائل هذه التوجيهات الربانية على حقيقتها فاطلقوا للعقول حرية التفكير ومنحوها كامل الارادة في التجريب والتحليل وانطلقوا في رحاب العلم يتعلمون ويعلمون وفق شرع الله ودون خروج عمّا فيه رضاه فلم تمض سنوات قلائل إلاّ والبشرية كلها تدين لهم بالمعرفة وتشهد لهم بأنهم أول من أنار طريق الحضارة بمصابيح وقودها الإيمان وقناديلها القلوب التي عمرتها مخافة الله وطاعته وشعاعها الحقائق الموصولة بالدين فلم يتعارض لديهم الشرع مع علم صحيح ولم تختلف طريق القرآن والسنة عن طريق الحقائق التي تملؤ الكون ولم يقف دينهم عائقاً أمام خير البشرية واصلاحها والبحث فيما ينفعها من العلوم الدينية والدنيوية فبرعت وبرزت أسماء ٌ لم تمحها الأيام من ذاكرتها تضيء كالنجوم في ليل ظلام الجهل المطبق الجهل الذي جعل بعض الأمم تقتل صانع الآلة الطابعة وتعتبره تلميبذ الشيطان أو تلك الأمة التي اعتبرت الدين حكراً على الكهنة ورجال الدين أو تلك الأمة استباحت كل محرمات الله باسم الدين ولم يكن مسموحاً بها حتى بتلاوة الكتاب المقدس على اعتبار أن العوام ليس من حقهم أن يتعدوا على ملكية العلماء وهم طبقة ( رجال الدين) فكانت انطلاقة الأمة المحمدية فاتحة خير للبشريةكلها حيث أن طلب العلم فريضة وشيئاً فشيئاً بدات اليقظة العلمية بين الأمم التي احتكت بها أمة الاسلام وبدأت تفتح باب التعلم والتجربة أمام شعوبها وبذلك يكون لامتنا فضل السبق بين الأمم في فتح باب ليس له حدود تغلق ولا اسوار تنصب بين العقل والدين بل تآخى العقل والدين معاً فصنعا مجداً انسانياً وتراثاً فكرياً وعلمياً عصياً على الزوال إلى آخر الدهر ولكن قدر الله لهذه الامة الرائدة ان يخلو منها عرش العلم لأسباب كثيرة لعل أهمها انشغال الامة باللهو والترف وسياسة التجهيل التي مارسها عليها اعداؤها ممن واتتهم الفرصة لامتلاكها واستعمارها وتمزيق أواصر وحدتهاردحا لا يستهان به من الزمن ولكن الجذوة المتقده في صدور أهل الغيرة على الدين وأهل العلم الصالحين الجادين وكتاب الله قبل ذلك وسنة رسوله الكريم- صلى الله عليه وسلم- كلُّ هذه الأمور مجتمعة كفيلة بأن تعيد للأمة وجهها العلمي والحضاري فتعيد مجدها وتعتلي عرشها الذي خلا منها لسنين طويلة وتتبوأ مكان الصدارة بين الأمم فالرجوع الرجوع إلى منابع الدين أيتها الأمة العظيمة يا أمة القرآن عليك بالقرآن ويا امة محمد –صلى الله عليه وسلم- عليك بسنة محمد ويا أمة العلم والعمل عليك بالعلم والعمل فهذه هي الطريق التي عليك أن تسلكيها مع اخلاص النية وصدق العزيمة " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" والله من وراء القصد.