الفوقية في الثقافة
جميل السلحوت
وبما أننا ورثة حضارة عريقة، لها ما لها، وعليها ما عليها، فإن عقلية الفوقية، التي تحمل في طياتها"اخدمني وأنا سيدك" لا تزال قائمة عندنا وفي مختلف المجالات، ولم نتعظ من مقولة"أهل مكة أدرى بشعابها" فالكبار سواء كانوا كبارا في مناصبهم أو في أعمارهم أو في كليهما معا، لا يرون كفاءة في أيّ شخص غيرهم، ولكم أن تتصوروا على سبيل المثال أن تشكيل اللجنة الوطنية لرعاية نشاطات واحتفالات" القدس عاصمة للثقافة العربية في العام 2009" فجاء تشكيل اللجنة فصائليا وحزبيا، دون الالتفات الى المثقفين من كتاب وفنانين تشكيليين ومسرحيين وموسيقيين وسينمائيين وغيرهم، فلم يكن واحدا من هؤلاء من القدس التي هي العاصمة السياسية والدينية والثقافية والتاريخية والاقتصادية للشعب الفلسطيني ودولته العتيدة، وعندما أعلنت وزيرة الثقافة الفلسطينية في حينه أنه سيصدر كتاب كلّ يوم في ذلك العام، فانه على ارض الواقع لم يصدر 10% مما أعلنت عنه، وحتى يومنا هذا فان وفودنا الثقافية التي تسافر الى العواصم العربية والصديقة-خصوصا بعد الاعلان العربي أن القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية- نادرا ما يكون أحد أعضائها من المبدعين أو المهتمين بالثقافة، ممh يبقي ثقافتنا مغيبة بشكل وآخر عن الساحات العربية التي هي امتداننا الثقافي...مع أن ثقافتنا جزء من الثقافة العربية، وكأن الثقافة ونشرها حكر على موظفي وزارة الثقافة فقط - مع احترامي لهم جميعهم-. ولولا شبكة الاتصال العنكبوتية- الانترنت- لبقيت أسماء مبدعة كثيرة وكبيرة مغيبة الى ما شاء الله.
وامعانا في التربية الفوقية وثقافتها السائدة، وطريقة تعاملها مع الآخرين، وما يهمنا هنا هو الجانب الثقافي حيث أننا نجد بعض المتنفذين، يريدون أن تبقى هيمنتهم على المؤسسات الثقافية قائمة في كلّ الظروف والأحوال، لهذا لم يكن غريبا على سبيل المثال استقالة البعض من اتحاد الكتاب الفلسطينيين وانسحابهم من عضوية الاتحاد بعد انتخابات الهيئة الادارية الأخيرة للاتحاد، لأن من فازوا بالانتخابات ليسوا ممن يريدونهم، علما أن للفائزين مساهمات جادّة وظاهرة في النتاج الابداعي والأنشطة الثقافية، بل إنهم أنجزوا انجازات غير مسبوقة، فقد بعثوا الحياة في الاتحاد بعد أن كان في ثلاجة الموتى، كما نشروا عددا من الأعمال الشعرية والأدبية الكاملة لعدد من الرّواد والمبدعين الفلسطينيين، وقاموا بتكريم نخبة ممن تركوا بصماتهم على ثقافتنا المحلية والعربية، ومع ذلك فإن انجازاتهم لم تشفع لهم باسكات من يناصبونهم العداء ممن يعتبرون أنفسهم أوصياء على الحركة الأدبية والثقافية.
وفي الكثير من مؤسساتنا الثقافية، وكما غيرها من المؤسسات الأخرى، هناك قوانين ولوائح داخلية تضع قيودا على عضوية الهيئات العامة لهذه المؤسسات، وتحصر العضوية في عدد محدود مبني على أساس عائلي أو سياسي ضيق، لتبقى الهيئات الادارية ومن يرؤسونها حكرا على أشخاص معينين، بغض النظر عن كفاءاتهم أو قدراتهم، أو عمّا ستؤول اليه المؤسسات من خراب ودمار ذاتي.