للابتهاج والفرحة بالتأهل للمونديال حدود

ليتنا نبتهج ونفرح في الجد كابتهاجنا وفرحنا في اللهو واللعب . ولا يجب أن يفهم من هذه العبارة أنها تنتقد الابتهاج والفرح بالتأهل إلى مونديال 2018 ،فحب الوطن من الإيمان ولو تعلق الأمر بمجرد فوز في لعبة كرة القدم ، وهو فوز يقتضيه حب الوطن ليجعلنا نطمح إلى أنواع  أخرى من الفوز أهم منه كالفوز على  قهرالتخلف والفقر والجهل والأمية و الإجرام ، والفساد ... وغير ذلك من الآفات التي نتجرع مرارتها  لعقود ، ونحلم بيوم تحصل فيه القطيعة معها إلى غير رجعة لنكون في المقدمة مع الركب الحضاري . لاعيب في الابتهاج بتأهل إلى المونديال تأخر قرابة عقدين من الزمن بسبب فساد قطاع الرياضة عندنا، وهو فساد لم يطرح أبدا  للنقاش ،ولم يساءل المسؤولون عنه، ولم يحاسبوا ،ولم يصبهم زلزال، ولم يعفوا من مهامهم  باستثناء مجفف الملعب ، وكأن فسادهم الذي عكسته نتائجنا المتدنية في  قطاع الرياضة قدر يجب الرضى والتسليم به . والتألق في لعبة كرة القدم ليس مجرد حظ يبتسم ويعبس بل هو تحضير وإعداد وتخطيط وخبرة ليس فيه للحظ حظ كما يعتقد البعض، ذلك أن الأمم الرائدة في هذه اللعبة تعد لها إعدادا ، ولا تعتقد بالحظ فيها . ولا شك أن الذي جعل الابتهاج والفرحة بالتأهل للمنوديال  عندنا بهذا الشكل هو طول انتظار هذا التأهل الذي أخّره فساد تدبير قطاع الرياضة الذي لم يحاسب عليه أحد لحد الساعة . ولقد عكس حجم الابتهاج وأساليبه مدى الغبن الذي عاناه المبتهجون بسبب تعثر الرياضة في بلادنا، وفشل سياستها وتدبيرها . وإذا كانت الفرحة واجبة ومبررة ،فإن بعض أساليبها تجاوزت الحدود حين خالطها التهور والعربدة  داخل وخارج الوطن حتى بلغ الأمر حد إزهاق روح كما وقع في مراكش حيث فارقت الحياة أستاذة بمعهد الاتصال وعلوم الإعلام، والوطن في أمس الحاجة إليها، وكما وقع في مدن أخرى عرفت حوادث سير بسبب تهور بعض سائقي السيارات الذين جازفوا بحياة غيرهم عن طريق سياقة جنونية متهورة بذريعة الخروج عن الأطوار بسبب شدة  الفرحة بالانتصار والتأهل . ولم تخل أيضا  أجواء الفرحة والابتهاج من عمليات سطو وسرقة واعتداء . أما الفرحة خارج الوطن خصوصا بالعاصمة البلجيكية والفرنسية، فقد خرجت عن الأطوار ،وطال التخريب والتدمير والإحراق الممتلكات العامة والخاصة ، وكان ذلك إساءة كبرى لسمعة الوطن . ولقد تأهلت أمم لها باع طويل في لعبة كرة القدم  إلى المونديال، وعبرت عن ابتهاجها وفرحها في حدود معقولة، وبأساليب حضارية ، ولم يبلغ بها الأمر ما بلغه عندنا من عربدة وشغب وأساليب لا حضارية . إن الوطنية وحب الوطن لا يعبر عنهما بالإساءة إليه عن طريق الفوضى  في الداخل والخارج .  فإذا كان هذا ابتهاجنا بالتأهل للمونديال، فماذا سيكون حالنا إن فزنا بكأس العالم ؟ ألم تكن في جموع المبتهجين عناصر مدسوسة تستهدف سمعة هذا الوطن، وقد استغلت، وركبت حماس الشباب لتزين لهم استباحة الفوضى وحليتها، وتصب الزيت على نيران الفتنة ؟

وأخيرا أنهي مقالي بما بدأته به وأقول مرة أخرى ليتنا نبتهج ،ونفرح بالجد كفرحتنا وابتهاجنا باللهو واللعب . إن نتائج ناشئتنا المتعلمة الدراسية، وهي  غاية الجد والذين ضجت أصواتها فرحة بالتأهل للمونديال وهو  محض لعب لا تتخطى منذ عقود نسبة 50 في المائة ليتنا تخطينا  هذه النسبة كما تأهلنا للمونديال، وخرج شبابنا مهللا بالفرحة لذلك . والبطالة ضاربة أطنابها بين شبابنا الجامعي وغير الجامعي، ليتنا انتصرنا عليها انتصارنا في موقعة أبيدجان كما سماها السيد علي حيمري في مقال له على هذا الموقع. وليتنا خرجنا نبتهج يوم الزلزال الذي أصاب وعصف بوزراء قصروا في واجبهم ليكون ذلك تعبيرا عن الرغبة في استئصال الفساد و الذي لا زالت له حصون يتحصن فيها ، ولا زالت الحاجة ماسة لمزيد من الزلزال الذي يدكها دكا ليتعافى هذا الوطن من آفته التي تحول دون تقدمه بين الأمم . ونأمل ألا يكون التأهل للمونديال حقنة تخدير تغيب وعينا بما هو عليه وضع بلادنا الحقيقي .    

وسوم: العدد 746