هل ولّى زمن الانتصارات
مَن منا لا يعرف أن المسلمين انتصروا في معركة بدر الكبرى بأقل من ثلث عدد أعدائهم، ومثل ذلك في أُحد، وأقل منه في الخندق، ونازلوا الغساسنة والبيزنطيين في مؤتة بثلاثة آلاف مقابل مائتي ألف، وانتصروا في اليرموك والقادسية بأقل من سدس عدوهم، وفتحوا الأندلس باثني عشر ألف مقاتل مقابل مائتي ألف. ولعل قائل يقول: كان ذلك أيام الإيمان القوي، فنقول وما الذي يمنع من حصول الإيمان القوي اليوم؟!، أو يقول بعضهم لعل تلك الانتصارات كانت زمن القتال بالسيف والخيل. فهي اليوم أكثر إمكانية زمن البندقية والمدفع والصاروخ حيث الرمي عن بُعد ولا يستلزم الاشتباك المباشر رجلاً لعشرين رجل، كيف نتصور أن سيفاً يستطيع مجابهة عشرين سيف في وقت واحد، ولا نتصور أن بندقية يمكنها مجابهة عشرين بندقية في الوقت نفسه؟!
إن السؤال المنطقي الذي يجب طرحه وإيجاد الجواب المناسب له هو: لماذا لم نعد نحقق انتصارات على أعدائنا كأسلافنا؟
ونحن نطرح هذا السؤال نستذكر أن الذين حققوا الانتصارات في الماضي البعيد، قاتلوا منعزلين عن موطنهم الأصلي، بعيدين عن أهلهم وذويهم. قاتلوا مهاجمين وليسوا مدافعين. قاتلوا من أجل فكرة وليس من أجل استعادة حقوق مسلوبة. وبالمقابل كانت أوضاع أعدائهم على عكس أوضاعهم. ذلك يعني أن كل عوامل الهزيمة والانكسار كانت موجودة من حيث الظروف والإمكانيات، فقط هو عامل الإيمان الذي رجّح ميزانهم وأورثهم النصر.
وإذا تحدثنا اليوم عن القضية الفلسطينية مثلاً، فإن فلسطين أرض مقدسة تستوجب همماً أكبر لدى أصحابها. وأرض الشعب الفلسطيني وبيوته وثرواته مسلوبة، وهذا يوفِّر حافزاً لاستعادة الأرض والحقوق. وملايين اللاجئين، وعشرات ألوف الشهداء والأسرى، ألا يوفِّر ذلك حوافز كافية للقتال والثأر ورد الكرامة وعودة اللاجئين؟!
لكي نستعيد أمجادنا، وقدرتنا على تحقيق الانتصارات على أعدائنا، يجب تحقيق المتطلبات التالية:
1- الاعتقاد المطلق أن الله وحده هو واهب النصر، وليس العدد والعتاد، وإن وكان توفيرهما بقدر الاستطاعة مطلوباً.
2- الاعتقاد المطلق بأننا أصحاب حق ونقاتل على حق، وأن فكرتنا السامية تستحق الانتصار، وأن أرضنا المقدسة تستحق التضحية والفداء، وأننا لن نُهزَم مع الإصرار واليقين.
3- الاعتقاد الجازم أن كمية السلاح ونوعيته ليسا عامل الحسم في أية معركة، بل حامل السلاح وعقيدته وعزيمته هما العامل الحاسم، ونحن نستطيع توفير جميع هذه العوامل عند توفر إرادة القتال.
4- إيمان القيادة قبل الجنود بالقدرة على تحقيق النصر، وأن المطلوب هو التحضير الجيد بقدر الاستطاعة للمعركة ثم أخذ القرار بمهاجمة الأعداء وعدم الانتظار لأخذ موقف الدفاع.
5- وجوب غرس هذه المعتقدات في نفوس الجنود، بل وفي نفوس النشء حتى لا يصبح لدى أحد شك بأن النصر من عند الله، وأننا قادرون على نيل شرف النصر.
إن معركتنا من أجل تحرير فلسطين غير مرتبطة بما تمتلكه المقاومة من سلاح ولا عدد جنود ولا ظروف إقليمية ولا دولية ولا محلية، وهي معركة واجبة التحقيق على الفور ودون إبطاء بالقدر الذي نؤمن فيه أن الله ناصرنا وهو حسبنا، وأن الأمر معقود بقرار القيادة وهي تتحمل المسئولية عن أي تأخير قد يأتي بنتائج عكسية.
قال تعالى: {إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران 160)
وسوم: العدد 748