في ذكرى ضمير الثورة الفلسطينية
غسان مصطفى الشامي
تاريخ الثورة الفلسطينية المباركة حافل بالذكريات النضالية البارزة لشعبنا الفلسطيني، الذي يخوض نضاله ضد الصهاينة منذ أكثر من مائة عام، وتمر علينا يوميا ذكريات ثورية نودع فيها الشهداء نستذكر فيها القادة والمجاهدين العظام الذين رووا بدمائهم الطاهرة الزكية تراب أرض فلسطين المباركة.
في العاشر من نيسان من كل عام تمر علينا ذكرى مجزرة صهيونية أليمة بحق ثلاثة من قيادات الثورة – حيث كانت عمليات الاغتيال على رأس الأولويات للاحتلال خلال احتلال أرض فلسطين – هؤلاء القادة مثلوا شعاع المقاومة، ووهجها الوضاء في قلوب وعقول شباب فلسطين المجاهدين، فقد اغتالت وحدات الموساد الإسرائيلية في العاشر من نيسان عام 1973م قيادات حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وهم القائد كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار، تم اغتيالهم في عملية صهيونية جبانة أطلق عليها اسم " ربيع فردان " نفذت في بيروت بقيادة وإشراف المجرم (إيهود باراك).
وتعد عملية (ربيع فردان) من العمليات الصهيونية المعقدة، تم التخطيط لها بدقة بالغة خاصة أن أي خلل فيها يكون له تأثير كبير على العدو الصهيوني، خاصة أن هؤلاء القادة معرفون بعقليتهم الأمنية وعملهم الدقيق، وبدأ تنفيذ العملية ليلة العاشر من نيسان عندما وصلت السفن (الإسرائيلية) إلى شواطئ بيروت، وعلى متنها قوات الاغتيال وبرئاسة المجرم( إيهود بارك)، حيث كان الجنود (الإسرائيليين) يحملون صور القادة الفلسطينيين، وفور انتهاء اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، بدأ تنفيذ العملية، وأخذت القوات المكلفة بالاغتيال مواقعها، في شارع فردان في بيروت، وهو الشارع الذي يسكن القادة، وتم مهاجمة مواقع تواجدهم، فقد هوجم مبنى قيادة الجبهة الشعبية، وقُتل الحراس، عندها سمع الشهيد كمال ناصر دوي الرصاص، فهرع إلى سلاحه، لكن أفراد الموساد باغتوه وقتلوه ؛ ثم توجهت وحدة أخرى لشقة القائد " أبو يوسف النجار " ودمرت باب شقته بقنبلة وضعت على الباب، ودخلت المجموعة تغطي وجوهها بجوارب نسائية – حسب ما ذكره باراك في يومياته - حيث أسرعت الزوجة أم يوسف بالبحث عن مسدس زوجها للدفاع عنه، لكنهم سبقوها لغرفة الشهيد أبو يوسف، وأطلقوا الرصاص عليهم ليرتقيا شهيدين؛ وعندما سمع الشهيد كمال عدوان صوت الانفجار، والرصاص في شقة أبو يوسف؛ أدخل زوجته وأطفاله إلى غرفة داخلية، وحمل بندقيته لمواجهة أي خطر لاستهدافه، لكنه واجه مصير أخواه وبنفس الطريقة، وفُجر باب منزله، ودخل ثمانية من أفراد الموساد، وقتلوه، وسرقوا أوراقه ومستنداته.
السيرة النضالية لهؤلاء الرجال حافلة بالتاريخ الشامخ، فقد كان للقائد الغزي أبو يوسف النجار ابن محافظة رفح الصمود دور ثوريا بارز، وهو من مؤسسي حركة فتح، وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذية للمنظمة عام 1969م، وعُيّن رئيسا للجنة السياسية العليا للفلسطينيين في لبنان؛ أما القائد كمال عدوان الذي ولد في بربرة قرب عسقلان، ولجأ مع عائلته إلى غزة بعد النكبة، وشارك في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة عام 1956م، وتم اعتقاله حتى نهاية الاحتلال والعدوان الثلاثي على مصر وعودة غزة للإدارة المصرية، واختير عضوا في أول مجلس وطني فلسطيني عام 1964م، وفي عام 1968م تولى مسؤولية الإعلام، واشترك في معارك أيلول عام 1970م، ثم انتقل إلى جرش، وثم إلى دمشق وبيروت لمواصلة نضاله، وانتخب في 1/1/1971 خلال المؤتمر الثالث لحركة فتح عضوا للجنة المركزية، وكلف بالإشراف على القطاع الغربي، (المسؤول عن المهمات والأنشطة السياسية والعسكرية في الأرض المحتلة) إلى جانب مهمته الإعلامية، واستمر في قيادة تلك المهمة حتى لحظة استشهاده؛ أما القائد كمال بطرس ناصر المناضل والشاعر، ولد في مدينة غزة عام 1924م، وتربى في بيرزيت شمال رام الله، ودرس في القدس، وأنهى دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1945م بتخصص العلوم السياسية، وعمل في التدريس، وأبعدته(إسرائيل) بعد حرب حزيران 1967م بسبب مواقفه النضالية الصلبة، وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عام 1969م، وتولى رئاسة دائرة الإعلام والتوجيه القومي ومجلة فلسطين الثورة، وكان المتحدث الرسمي باسم المنظمة، وأطلق عليه الشهيد صلاح خلف " أبو إياد " لقب "ضمير" الثورة الفلسطينية، وأصبح رئيسا للجنة الإعلام العربي الدائمة، المنبثقة عن جامعة الدول العربية، وفي عام 1972 تبنى المجلس الوطني الفلسطيني قرارا بإنشاء مؤسسة إعلامية فلسطينية موحدة، وأنيطت به مهمة الإشراف على الهيكل الجديد الذي سمي "الإعلام الموحد"، وترأس تحرير مجلة المنظمة "فلسطين الثورة" حتى تاريخ استشهاده، وله الكثير من المقالات السياسية والتأملية كثيرة، وكتب القصة القصيرة، كما صدرت له مجموعة شعرية، هي "جراح تغني" عن دار الطليعة في بيروت عام 1960م .
لقد رسموا هؤلاء الرجال بكفاحهم الكبير ونضالهم الشامخ خارطة الطريق وجسر العبور لتحرير أرض فلسطين،والوطن يحتاج إلى همة هؤلاء الرجال، والقادة الذين رفضوا التفاوض مع الاحتلال ورفضوا تقديم التنازلات، وتمسكوا بالأرض والثوابت الفلسطيني، وأرسوا دعائم العمل الجهادي والنضالي وهم مداد لمسيرة الجهاد بدء من الشهيد القائد الشيخ عز الدين القسام والشهيد القائد عبد القادر الحسني مرورا بكافة شهداء شعبنا المجاهد وقادته الكبار.
إلى الملتقى ،،