إلى أولئك الذين.. " علموني عبقرية الرجال.. "
إلى أولئك الذين..
" علموني عبقرية الرجال.. "
سهيل مناصر
كم انا سعيد.. وكم أنا خائف..
سعيد لأنني سأضع بين أيدي القراء الكلمة التي سأنذرها ميثاقا قد يكون رابطة اتصال وصلة رحم وحصة تعارف دائمة ومتجددة بين من كنت دائما أخاطبهم في وجداني.. واستقال قلمي.. رافضا أن يدون على تلك الصفحات البيضاء البائسة التي كثيرا ما تعرضت للتمزيق.. فاستقالت بدورها ايضا.. ولا أدري إن كان السبب في يدي أو ربما في أن جف حبر قلمي بالرغم من أنني متيقن أنه لن يجف ابدا..
وكم أنا خائف.. لأنها كم هي عظيمة مسؤولية الكلمة، فإن كان للبعض أن يكتب أسهل ما يمكن أن يفعله ولوجا لذاك العالم الذي يجد فيه ضالته ليعبر ويصرخ بأعلى صوته أو بالأحرى اصواتها فإنه بالنسبة لي أصعب ما يمكن أن أفعله فعقيدتي أن الكلمة مسؤولية، والمسؤولية التزام، والتزام المسؤولية شرف وشرف الكلمة مسؤولية الالتزام. فيا حظك يا من نلت شرف الكلمة...
إنني استشعر تلك المحطات تمضي وأنا اراها أمامي.. ولا يمكن لي أن أصورها في شريط فيديو أو اقتصرها في مجموعة صور فوتوغرافية.. فهي معنوية اكثر من أنها مادية.. ودروس نستقيها ونستنتجها أكثر من أنها مناهج دراسية تقدم في الصفوف الدراسية..
إنها محطات شرف ومحطات نستقل منها قطارا يمضي إلى ها هناك.. نحو تلك التلة التي سوف يكون منها أول شروق..
فأنا اليوم مقبل على المرحلة الثالثة من مساري وحياتي وسأقفز على عتبة الثامنة عشر سنة وأمامي مسؤوليات جديدة تنتظرني.. وبداية مشوار جديد بنفس المبادئ والقيم والأخلاق.. نحو الهدف الأكبر في عشق الجزائر.. دون سواها..
فأنا اليوم لا أدري كيف ولا حتى متى وأن وصلت لكل ما انا هو الآن.. إلا أنني على يقين أن ضميري مرتاح وأعي جيدا اين اسير ومن اين أتيت ووفيٌ دائما لكل أولئك الذين علموني عبقرية الرجال وصنعوا مني مناضلا... رجلا.
إلى أولئك الذين.. " علموني عبقرية الرجال.."، هو العنوان الذي اخترته لهذه الكلمة التي أقدمها خطاب قلب إلى ارواح القراء.. وإلى أولئك الذين علموني حقيقةً عبقرية الرجال، أحاول من خلالها دغدغة عبقرية عقولهم.. وضمائر نفوسهم..
بالنسبة لي.. أشعر بأن هذا العنوان أكبر من أن يختصر في جملة واحدة.. فقد يكون في شكله عنوان ولكن في حقيقة مضمونه.. رواية لا تنتهي وستستمر أحداثها، وقليلة هي الأوراق التي ستكشفها !
لقد ترددت كثيرا في الكتابة..
فكيف لي أن أكتب واؤلف وأخطب على الناس وأنا لازلت صغيرا أمام حجم هذه الكلمات وأمام كل ما ستنطقه وتستنطقه هذه السطور بين ثنايا الأحداث والمحطات..
تلك الأحداث والمحطات التي كانت حتما تجربة في حياة متمرد صغير.. ناشط مجتهد.. كاتب شاعر وأديب.. ممثل.. فإطار مسؤول في منظمة وطنية.. فسياسي مناضل،
إلى أن الدافع القوي الذي جعلني أتسلح بشيء من الجرأة لأكتب وأنذر هذه الكلمة ميثاقا هو الشعور برغبة ملحة لأرد الجميل إلى كل أولئك الذين ساندوني، ودعموني، ورافقوني خلال كل تلك المحطات من الانتصارات والانكسارات من مسيرة شاب طموح.. مناضل.
فهذه الكلمة.. ليست مجرد عنوان اصنعه لنفسي بقدر ما هي هدية متواضعة أدون لكل أولئك الذين علموني عبقرية الرجال.. فكونوني وعلموني وصححوا لي أخطائي ومسحوا الدموع من عيوني وشجعوني وفوق كل هذا آمنوا برسالة طفل صغير.. واجتهدوا معه في تحقيق أمنية بريئة، هي رسالة من أجل الجزائر.. من أجل الشباب ومن اجل غد أفضل.
فكم أنا مقصر بهذه الهدية.. فأساتذتي وكل أولئك يستحقون أكثر بكثير من هذا.. فهم يستحقون الخلود الألمعي.. وسينالونه بإذن الله تعالى، إلا أن هذا ما وسعت به نفسي لأثني على كل أولئك العظماء في ذهني وكل أولئك الأعزاء والأحباب والرفاق والأوفياء والخلان.
لقد تمنيت في حياتي لو كنت خلال مسيرتي مبدعا مثل أصدقائي: إسلام نوي، أو ربما مثل نضال نايلي أو ربما مثل أنيس بن الطيب، أو ربما مثل لطفي سلامي أو ... غيرهم من نخبة الشباب اليافعين والمثقفين فكل هؤلاء مبدعين صنعوا لأنفسهم القاب فأنيس: اصغر كاتب، ونضال أصغر مخرج أفلام، وإسلام: مبدع وبارع في التصميم ولطفي أصغر إعلامي... شيء جميل، وأنا افتخر بهذه الاسماء وكثيرا ما أذكرها وكان لي الشرف أن عرفتها، وهم اصدقائي..
للأسف الشديد أن مسيرتي كانت مغايرة تماما، فانا الآن مقبل على سن 18 سنة وكان عمري مذ بدأت النضال 14 سنة وقد أكون عبر مساري أصغر مسؤول وطني قيادي في الجزائر...
هذا امر جميل ايضا، ولكنه ليس كذلك بالنسبة لطفل خاض تجربة خمسة سنوات في مجال تمنيت لو أنني لم أدخله يوما، تمنيت لو أنني لم أبتغيه يوما أو حتى فكرت فيه يوما، صحيح أن المسؤولية علمتني الكثير، وجعلتني أتعلم اشياء كثيرة، ولكن قد يكون هذا أكبر خطأ ارتكبته في حياتي فقد كبرت قبل الوقت بتولي زمام المسؤولية، تمنيت لو كنت كاتبا او ربما صحفيا أو شاعرا أو غير من مجالات الابداع كإسلام ونضال وأنيس ولطفي، ولكن امام أسفي أذكر دائما إيماني ان هذا ما هو إلا شيء من القدر ووحي من المستقبل ونبض من الواقع، إنه طريقي، إنه الذي اخترته واحببته إنه جحيمي الأبدي إنه جحيمي اللطيف، إنها المسؤولية.... إنها حياتي.. التي أدركت جيدا أنها حقا تكليف وليست أبدا تشريف وأنها تنازل لبعض امتيازات الفرد لصالح الجماعة وما دون ذلك فتسلط وفساد، ولكل عارف أن يدرك حجم تلك المسؤولية التي كانت على عاتق شاب لم يتجاوز سن 18 سنة من عمره. لكن ما يجعلني سعيدا أنه بات بإمكاني أن أقف اليوم ورأسي مرفوع ومفتخر بما قمت به رفقة كل أولئك المناضلين الذين جمعتنا رسالة واحدة لصالح جزائر مستقبلية في عيون أطفالها.. وعلى الأقل لدي ما انقله للأجيال المقبلة.. كما أن هذه المسؤولية وبحكم المنصب القيادي الذي تبوأته سمح لي أن أكون ربما مخضرما بحكم احتكاكي العملي مع أولئك الرجال من جيل وأنا من جيل آخر تماما، ما سمح لي باستقاء الخبرة والتجربة.. فتواصل الأجيال علمتني أن التواصل ليس قصور الأبناء على ثقافات الآباء والأجداد بقدر ما يعني الاستمرار بروح التجديد. فهكذا علمني أبناء التواصل وعلمني أستاذي وابي العزيز والرجل العظيم عبد الحفيظ لحول الذي سوف أحتفظ به جوهرة في قلبي وأعاهدك أيها الرجل الفذ بالوفاء.
خلال مساري الذي انطلقت فيه وأنا طفل في سن 11 سنة إلى اليوم وأنا في 18 سنة يمكن تقسيم هذا المسار إلى مرحلتين رئيسيتين: الأولى: 11 سنة - 14 سنة و الثانية: 14 سنة - 18 سنة.
هذه المرحلتين اللتان للأسف الشديد أن المقام لا يسعني للتفصيل فيهما والأخذ بين ثناياهما وسرد كل تلك المحطات والأحداث فيهما.. إلى أن ما لا يمكن أن أتجاوزها في هذه الكلمة وأنا أوجهها إلى أولئك الذين علموني عبقرية الرجال.. هو الشكر الجزيل والثناء والعهد بالوفاء إلى من عليه الفضل علي.. فأنا أشكر فيهم صبرهم معي ووقوفهم إلى جانبي.. وفليعذروني فقد كنت لأذكرهم بالأسماء لكني خشيت أن أنسى أحدهم.. فما أدراني فإني إنسان.. وأنا ضعيف.
إلى أنكم أيها العظماء.. تعلمون جيدا أنني لست من طينة أولئك الذي يتنكرون أو ينكرون.. وتعلمون جيدا أنني وفي للرجال مهما قد اختلفت معهم.
فشكرا لكل أولئك الذين آمنوا بي.. وشكرا لكل رفاقي في النضال وأصدقائي وأحبائي والأوفياء والخلان وشكرا لكل أولئك الذين سايروني ورافقوني.. وقاسموني محطات الانتصار ومحطات الانكسار..
شكرا لجميع أولئك الذين علموني عبقرية الرجال. فشكرا ايها العظماء، ايها الرفاق.. فعهدي لكم الوفاء.. والوفاء.. والوفاء. فشكرا ايها الصقور.. وعذرا ان أخطأت أو قصرت. وعلى محبة الجزائر نعمل ونلتقي.