عندما تنهار الدول.. من مقدمة عبدالرحمن إبن خلدون !!

مقدمة عبدالرحمن إبن خلدون

● عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والشحاذون والمنافقون والمدعون والكتبه والقوالون والمغنون النشازون والشعراء النظامون والمتصعلكون وضاربوا المندل وقارعوا الطبول والمتفقهون وقارئوا الكف والطالع والنازل والمتسيسون والمداحون والهجائون وعابروا السبيل والانتهازيون ..

تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط ، يضيع التقدير ويسوء التدبير ، وتختلط المعاني والكلام ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل .

وتتفتق الفرائض ويسود الرعب ويدلهم الأفق وتطول المناظرات ويلوذ الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الإشاعة ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفي وجوه مؤنسة وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويصبح الإنتماء الى القبيلة اشد التصاقا والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان .

ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء ويسود الهرج في الأسواق والمزايدات على الإنتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعماله والخيانة ...!

وتسري الإشاعات عن هروب كبير وتحاك الدسائس والمؤامرات وتكثر النصائح من القاصي والداني وتطرح المبادرات من القريب والبعيد ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ويتحول الوضع الى مشروعات مهاجرين ويتحول الوطن الى محطة سفر والمراتع التي نعيش فيها الى حقائب والبيوت الى ذكريات والذكريات الى حكايات

وسوم: العدد 752