فضائل الأوربيين
معمر حبار
من تمام الفضل وكماله، أن يعترف الإنسان بفضل الذي عرّفه فضل الله على الجميع. ومن يتابع الأشرطة العلمية والثقافية المنجزة حول حياة الحيوانات بمختلف أشكالها وألوانها وطبيعتها من طرف الأوربيين والأمريكيين، يقف على الحقيقة الساطعة المتمثلة في المجهود الخارق الذي يقوم به الإنسان الغربي من أجل أن يخدم البشرية، ويُعرّفها بالكنوز التي بين أيديها وتجهل قيمتها.
يترك النعيم الذي ولد وترعرع فيه طواعية، ليذهب حيث الفقر والجوع والجهل، ويترك وراءه كل وسائل الراحة التي يحلم بها ذاك الذي يشاهده والذي سافر إليه، حيث يفتقر لأدنى مقومات الحياة، ليعيش مع حيوانات ضارية لاترحم، وقبائل بدائية مازالت تعيش على أكل الأفاعي وصيد القردة والحشرات، وتخشى الإنسان لأنها لأول مرة رأت إنسان أبيض. فيظل يتابع الحيوان المفترس، وهو ينمو ويتكاثر ويفترس غيره، ويقاتل من أجل البقاء والسيطرة والاستحواذ.
ومن أجل أن تصل تلك الصورة نقية سليمة، ينفق عمره كله، وماله جله، وزهرة شبابه، ويخاطر بحياته. فيلبس لبوس وحيد القرن والتماسيح، ويقتحم عالم السم والأنياب والمخالب، كأنه واحد منها، وفرد من أفرادها.
وتعتريك حالة من الخوف والفزع وأنت جالس فوق سريرك، ترتشف فنجان قهوة وتتمتع بتلك المناظر، حتى إن إحدى الأوربيات أنفقت 5 سنوات كاملة، لمتابعة كل الأطوار الخاصة بالنُمُور الذين حددتهم، للدراسة والمتابعة وقالت مفتخرة..
لم أجد صعوبة في متابعتهم حينما كانوا صغارا، واليوم أجد صعوبة بالغة حينما كبروا، بسبب قطعهم لـ 6 كليومترات يوميا، بحثا عن الأكل والتكاثر، وهو مايُجبرُني على اللّحاق بهم يوميا، لأقدم للمشاهدين المادة المناسبة واللاّئقة بهم، معرّضة حياتها وشبابها، وما أوتيت من مال ورقة وجمال، للمخالب والأنياب.
المتتبع للأشرطة العربية التي تُظهر قدرة الله عزوجل، يرى أنها تحتوي كلها على صور للطبيعة والحيوانات والحشرات والطيور والأسماك لأوربيين وأمريكيين، أنفقوا حياتهم في إعدادها وتقديمها، فأمسى المسلم والعربي عاجزا على تقديم صورة لحيوان أليف، ناهيك عن المفترس، يشرح به الآية أو الحديث الذي يريد تقديمه، فيستعين بالأوربي والأمريكي، ليعرف عظمة الله تعالى في مخلوقاته دقّت أو جلّت.
وما يجب التأكيد عليه في مثل هذا المقام، أن الإنسان الأوربي والأمريكي خدم البشرية جمعاء، فيما يتعلق بحياة الحيوانات المختلفة. وليس من الأدب في شيء، أن يتحدّث المرء عن الإعجاز العلمي وينسبه لنفسه، ناكرا فضلهم وهو الذي اعتمد عليهم في كل صغيرة وكبيرة. فالفضل يُنسبُ لمن كان له السبق.
وفي الأخير، لابد من تسجيل حقيقة كانت دافعا لهذه الأسطر، مفادها أن المرء حينما كان صغيرا وهو يتابع الأشرطة العلمية الخاصة بالحيوانات، لم يكن يعرف معنى فضل غيره عليه، لأنه كان مشدودا ومبهورا بتلك الحيوانات، وهي تطير وتقفز ويفترس بعضها بعضا، وتحمي صغارها وتموت دونهم، لكن حينما شبّ المرء، وعرف الفضل لأهل الفضل، لم يعد يسأل عن الحيوان، بل يسأل عن من قدّم تلك الصورة الصادقة والرائعة، وعن ذاك الذي خاطر بحياته من أجل أن تصل المُشاهد، وهو في بيته آمنا سالما، فأمسى من حينها يعرف مكانة وقدر الأوربي والأمريكي في تعريف خلق الله بخلق الله.