نصف المعلومة تشوه العملية التربوية في "دعنا نتحاور" بالسادس الابتدائي

 (1)

انتظم كتاب اللغة العربية للصف السادس الابتدائي طبعة 2017/2018م في ثلاث وحدات كانت عناوينها: لست وحدك، ومن الحياة، وآداب وقيم.

واحتوت الوحدة الثالثة دروسا ثلاثة تناولت آدابا عامة وإشاعة قيمة الولاء الوطني، هي:

1- آداب سامية: نص قرآني يعرض وصايا سيدنا لقمان لابنه كما وردت في سورة لقمان في الآيات (17- 19).

وقد نشرت عنه في 19/5/2014م مقال (التربية والتفكير في نص " آداب سامية " للسادس الابتدائي) قبل ذلك.

 2- دعنا نتحاور: موضوع قرائي وظيفي يعرض آداب التحدث والاستماع.

وهو موضوع هذا المقال.

3- وطني: نص شعري للشاعر أحمد مخيمر يعلي قيمة الانتماء الوطني.

وقد بدأت أكتب عنه مقالا عنوانه [أعذب الشعر أكذبه  .. نص (وطني وصباي وأحلامي) وتشويه الانتماء الوطني].

(2)

وفي درس "دعنا نتحاور" يدور حوار الجد مع الأحفاد حول آداب التحدث والاستماع كما قال الجد ص44:

(سنتحاور معا هذه الليلة عن آداب الحديث وآداب الاستماع، وهما من أرفع الآداب الاجتماعية التي حثت عليها الأديان السماوية؛ فالإنسان إذا أحسن كلامه أحبه الناس، وإذا أساء في كلامه فر منه الناس. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

وهذا متفق عليه.

ثم تابع الجد ص3 قائلا:

(وأبدأ معكم بهذا السؤال: ماذا تفعل اذا أخطأ أحد المتحدثين في حديثه؟ قالت مني: أقول له: أخطأت، وأذكر الصواب. قال الجد: تقولين له: أخطأت! هذا ليس من آداب الحديث! والأفضل أن تقولي له: لي رأي آخر في هذا الأمر. فقالت أمل: ولماذا لا أقول له: اخطأت؟ قال الجد: لأنك لا تدرين، ربما كان علي صواب وأنت علي خطأ، كما أن قولك له: أخطأت- يحزنه ويسيئه؛ فمن شروط الحديث أن نتخير اللفظ المناسب، وأن نختار من الكلمات أجملها ومن الألفاظ أحسنها).

وهنا يأتي التشويه في شيئين.

ما أولهما؟

إنه التناقض الفكري في كلام الجد بين كلامه المتلاصق.

كيف؟

قال الجد: " تقولين له: أخطأت! هذا ليس من آداب الحديث!".

ماذا قرر هنا؟

قرر أن رد قول المخطئ خطأ؛ لأنه ليس من آداب الحديث.

ثم ماذا قال لصق هذا الكلام؟

قال: "والأفضل أن تقولي له: لي رأي آخر في هذا الأمر".

وماذا يعني هذا؟

يعني أن رد المخطئ مفضول، وليس مخالفا لآداب الحديث.

وما آخر شيئي التشويه؟

إنه ذكر نصف المسألة وإهمال نصفها.

كيف؟

ما يستمع إليه الإنسان قسمان:

أولاهما: ما لا يقبل الوسط أي إما خطأ وإما صواب، وآخرهما ما يقبل الوسط أي تعدد الآراء فيكون الاختلاف سائغا ويكون من قبيل اختلاف التعدد المثري.

وأخراهما: هو ما يقبل ما قاله الجد، أما النوع الأول فلا يقبله.

لماذا؟

لأن الخطأ لا بد أن يواجَه مواجهة تصححه في أسلوب حكيم يلائم درجته، وهذا ما كان ينبغي أن ينبه إليه الجد ولا يهمله أو ما كان ينبغي أن يحرص المؤلفون على لفت الانتباه إليه فيجعلون الجد يقول بعد أن قالت منى:

"أقول له: أخطأت، وأذكر الصواب"- هذا إن كان الأمر لا يحتمل قولا ثالثا، أما إن كانت المسألة تتسع للآراء ووجهات النظر فالأفضل أن تقولي له: لي رأي آخر في هذا الأمر".

لماذا؟

لأن تلميذ السادس الابتدائي سيخرج من هذا الحديث وقد استقر في ذهنه وقلبه أن أي رفض لأي رأي غير صحيح، وأنه ينافي الذوق والأدب، وأنه سيسيء للآخرين.

وهذا غير صحيح، ولا يربي الشجاعة الأدبية تلك التي تنقص التلاميذ؛ لأن آباءهم يشيعون فيهم ثقافة شفهية مؤداها عدم تكذيب الوالدين إن ذكرا الكذب في حضور آخرين.

ولم يكن إغفال ذكر الصواب لحظة حدوث الخطأ من سنة نبينا، بل كان يسارع إلى تصحيح الخطأ في عبارات تلائم الموقف؛ فإن كان الموقف كبيرا كان اللفظ قاسيا كما قال لمن عيّر أخاه بلونه الأسود: "إنك امرؤ فيك جاهلية". وقد روى مسلم وغيره عن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى". فقال صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت! قل: ومن يعص الله ورسوله".

وسوم: العدد 756