إعلام الشقيقة الكبرى
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
لا يستطيع إنسان له حظ من فهم، أو قدر من تفكير، أن يفسر هذه الظاهرة التي تهتز لها رؤوسنا وأكتافنا دهشة وامتعاضاً، ولعل شيئاً من الأسى والحزن يتردد في رنات أصواتنا، وحسرة تضنينا وتلح علينا، كل ما جال في خاطرنا المكدود أن الإعلام الذي يرمي السودان بالضعة والخساسة، والدناءة والغموض، هو الإعلام الذي كنا نخاله، يجيد تحليل المعاني، واستقصاء الأغراض، فقد سكنت الأمة العربية بأسرها إلى هذا الإعلام واطمأنْت وركنت إليه، لأن من ثبت قواعده، وأحكم عقدته، وأمرّ عروته، جهابذة لم يدر في خلدهم قط أن مبتغاهم الذي أنشبوا فيه مخالب الحرص، وشدوا عليه قبضة العناية، سوف يزدحم حول مورده بعد رحيلهم من يجعله جافاً جدباً، ولا سبيل إلى اساغته، أو تذوقه، ولعل ما تخبر عنه الفطنة، وتلفظ به القريحة، أن العربي الذي أضحى يشاهد مادة هذا الإعلام فاتراً عنها، مزدريا لها، لم يعد يشعر بما كان يحسه من دلائل الإكبار، ورسوخ الحرمة، تجاه قنواته المتعددة، لأنها أضحت أشأم من البسوس، وأسرف من شظاظ، وما يفضح خواء الإعلام المصري وتهافت أصحابه، شواهد يفوق عددها الإحصاء، فالعداءات المتعددة الجوانب، المختلفة الدوافع، المتغيرة الأساليب، هي التي أذهبت عنّا الكلف البالغ، والقلب المشبوب، بتلك المؤسسة التي كنّا نضفي حلل الثناء عليها، فمن سوء الظن، وخطل الرأي، وقبح التأويل، أن تصف صحيفة الوفد المصرية في عدد الخميس المنصرم زيارة من يخف للمعروف، ويهتز للعطاء، حاكم قطر الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى أرض النيلين، بأنها زيارة مستفزة لم ينشد منها سوى إثارة غضب النظام المصري الجديد، كما أفادت الصحيفة بأن المساعدات القطرية للسودان المتمثلة في ايداع قطر مبلغ مليار دولار كحزمة مساعدات تأتي في الوقت الذي بدأت فيه قيادات إخوانية الاستعداد للانتقال للإقامة في الخرطوم، هل من الشطط والاعتساف أن ندمغ هذا الزعم بالمداورة والالتواء؟ وهل يمكن لهذا الرأي الساذج أن يخلق بلبلة في الأذهان، أو لوعة في الوجدان؟ أنها معارك الإعلام المصري التي يستخدم فيها كل ألوان العنف والحدة، وجل مظاهر البأس والشدة، نراه ينسج كل ما يعن له من ترهات وأباطيل تأخذ بعضها برقاب بعض، حتى ينتقم من دولة يحيط بها مد، ويحصرها ساحل، ثم يجلس بعد ذلك هادئاً بعد أن أفرغ من صدره ما يعذبه، ليتحفنا بأحاديثه الشوائل عن أواصر الصلات والقربى التي تربط شعبي وادي النيل، هذه الأحاديث العجاف لم نعد نقتات منها، نحن نعلم أنك تعدنا حفنة من الأراذل، وندرك أن فرسانك يزدرونا أشد الازدراء، ويستخفون بنا أشد الاستخفاف، في قنواتك الفضائية، ومؤسساتك الصحفية، وأفلامك الترفيهية، قذفتنا بالونى والخمول، ومعاقرة الصهباء والخمور، ولم يتح لنا بعد أن نجد مجالاً أرحب لصياغة استهجان إبداعي، نريد أن نتحدث يا من أمطرتنا شآبيب فضلك ونسرف في الحديث، ونكّذب ونغالي في التكذيب، حتى نمحق البدع التي ترابطت أجزاؤها، وتلاحمت صورها، عن حلايب وشلاتين، عن هذا الصقع الشاحب الحزين، والذي فتق الأجواء، وشقّ الأرجاء، لن نترك هذه الديار وإن أرضعتنا مكاره وعقابيل، لن نتخلى عنها وإن أفنتنا أسراب الأبابيل، لأن كل شيء فيها، إنسانها، أشعتها، ظلالها، ينبئ بأنها أرض سودانية.. وكفى.