أدواتٌ لنجاح مؤسسات المجتمع المدني
د. محمد عادل شوك
( جمعية التيسير الخيرية )
لقد بات واضحًا بعد ثلاث سنوات من انحسار هيمنة النظام الشمولي عن جزء واسع من البلدات السورية، و نشوء نمط آخر من الإدارة فيها، نجح في تلبية متطلبات احتياجات الناس، بشكل لم يخلُ من العثرات المُبررة؛ نتيجة قلة الخبرة، و انصراف الناس عن شؤون الإدارة عمومًا؛ و لاسيما الحديثة منها. أن سورية متجهة مستقبلاً نحو الاعتماد على مؤسسات المجتمع المدني في إدارة المرحلة القادمة.
و عليه فهناك جملة من الأدوات، تعرف بـ ( أسباب النجاح ) تتعلق بهذا النمط من الحياة المجتمعية، على القائمين عليه أن يولوها الأهمية المطلوبة، حتى يطمئنوا إلى نجاح هذه التجربة الوليدة في إدارة سورية الغدّ؛ فالسماء لا تمطر ذهباً على الكسالى والخاملين والراقدين، و بركات السماء تتنزل على العاملين الناشطين، وأصحاب الأيادي الخشنة من العمل، (اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ) حديث شريف، و منها:
1ـ التوكل على الله فيما هم عازمون عليه من الأمور، مع الأخذ بما هو المتاح من وسائل النجاح، في حدود جهد البشر وطاقتهم، مما يكون فيه الفلاح، لأن في التقصير عن هذا يكون الإثم المبين، ثم يعقبه النواح. فالمتواكلون هم صورة من صور الجبرية القديمة، ولكن بثوب جديد، إنهم مذمومون شرعًا، فاشلون واقعًا، هم صورة من صور المأساة، على مدار التاريخ، وتتأكد هذه المأساوية أكثر، في واقعنا المعاصر، مع هذا الانفجار المعرفي الهائل، والتطور التكنولوجي المذهل، الذي يضعنا أمام استحقاقات، منها ما هو فرض العين، أو فرض الكفاية، في استيعاب شامل لشؤون ما ينبغي القيام به.
2ـ التخطيط المُسبق المبني على المعطيات الصحيحة؛ فالارتجاليون هم أفشل الناس، ففي الصباح قرار، و في المساء عكسه، و غالبًا ما يؤخذون بردود الأفعال، التي تجر على العمل الفشل، و يرافقها الويل، و يحيط بها الثبور، و تتبدد بها الساعات دونما نجاح يذكر ، ( رَحِمَ اللهُ امرأً عَرَفَ قَدْرَ نفسِه ) أثرٌ عن عمر بن عبد العزيز.
3ـ المهنية، و الاحترافية في التعامل مع هذه المؤسسات، فما عاد مقبولاً أن نتكئ على المشحونين عاطفيًا في إدارة مؤسسات يُنتظر منها أن تكون بديلاً عن مؤسسات الدولة ذات الأنظمة و اللوائح الناظمة لعملها، (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) يوسف: 55، ( رَحِمَ الله رجلاً عَرَفَ قَدْرَ نفسِه؛ فوقفَ عندَه ) حديث شريف.
4ـ إيلاء العمل المؤسسي الأهمية القصوى، حيث مضى الزمن الذي كان فيه القرار يصنع في عقل الرجل القائد الفذّ، ذي القدرات الخيالية، المستغني عمَّا سواه، فالمرؤ ضعيف بنفسه قويٌّ بإخوانه.
5ـ انتهاج العمل المكافئ: الخطة بالخطة، و الوسيلة بمثلها؛ فالتدبير له لوازمه، و العمل له أصوله، و الإدارة لها قواعدها، و وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب من أهم عوامل النجاح؛ فلا مجاملة، ولا محاباة، هذا مع الأخذ بمبدأ ( الثواب، و العقاب )، ( المُحسنُ أَولى بثواب الاِحسان من المسيء، و المسيءُ أَولى بعقوبة المُذنب من المُحسن ) أثرٌ عن علي رضي الله عنه.
6ـ معرفة الواقع، و ابتكار ما يلزمه من عوامل النجاح؛ فهذا من أهمّ مفردات تسلُّق سُلْم النجاح؛ فالذي لا يعيش عصره، يحرث في الماء، و يكتب في الهواء، و يستنبت البذور في أرض سبخة، و من هنا لزم أن يكون المرء على مستوى الحدث، بكل شُعَبه، فما عاد يقبل في لغة العصر مفهوم ( الدَّرْوَشَة ) التي ربما تأتي على الأخضر واليابس بمجرد غلطة لن تتكرر.
لقد تحدث العلماء في القديم عن غفلة الصالحين، في عالم الرواية، فكيف إذا كانت هذه الغفلة، في إدارة مرافق الدولة، و المجتمع!.
لا شكّ أن الأمر بذلك يعظم أكثر، وتصبح الغفلة كارثية، تترتب عليها قضايا خطيرة، تتعلق بمصالح الأمة و الناس.
إن الذي يتعامل مع الواقع بدراية يكون التوفيق حليفه، و يضع قدميه على أرض صلبة تحميه من الزلق.
أما الذي يركن إلى الأحلام، والتحليق مع الأماني، و الانتشاء بالشعارات الأخاذة والجمل العاطفية، فهو لا يحل مشكلة، ولا يدفع نحو بناء صحيح؛ فالأمة قد شبت على الطوق، و هي ما عادت تطيق الكلف الكبيرة المترتبة على خِداعها بالشعارات ثانية، فأحلام الفلاسفة، في كثير من الأحيان غير عملية، لأنها حبيسة حلم، ابتعد عن الواقع، فصار كالمدينة الفاضلة.
إن الواقعية، سمة لا يصح العدول عنها، و نحن نصف أدق الأشياء في ثوابتنا. لقد ملّت الناس الشعارات الفارغة، وسئمت من الكلمات الجوفاء، فعصر الخداع بمعسول الكلام قد أفلَ نجمُه.
7ـ التأكد من وضوح الرؤية في الطريق الذي نسلكه؛ فلربما بذلت جهود كبيرة، في مجال من المجالات، ثم يتضح بعد ذلك، أن الطريق غير الطريق، و الحال غير الحال؛ نتيجة غياب الرؤية، وفقدان وضوح الهدف، فنرجع إلى نقطة البدء، وما أكثر التجارب المرة في هذا المجال.
8ـ الحرص على أن يرى الناس ثمار عملنا ـ ما أمكن الأمر ـ فالنتائج الملموسة تورث الثقة بالعاملين، و أمّا الدوران في الحلقات المفرغة، فلا نجني منه سوى الضياع. فالشعوب تتوق إلى برامج العمل، و تنظر إلى من يقدم لها الحلول، ومن يخدمها، و من تلمس منه شيئًا على الأرض تهنأ بظلال نتاجه. و في هذا درس للعاملين في هذه المؤسسات؛ فمن أراد تأييد الناس، عليه أن يحل مشكلاتهم، و يقدم لهم النافع، الذي ينعكس على واقعهم بالخير.
إن الشعوب تنتظر الخطاب المنتج، والفعل الإيجابي، والثمار التي تقطف خيرها، في كل يوم، وأسبوع، وشهر، وسنة، أما أن تمضي السنة والسنتان، وأنت تَعِدُ الناسَ، و تمنيهم؛ فهذا ما عاد مقبولاً. إنها تريد من يعايش أحوالها، و يحمل همومها، و يحل مشكلاتها، و ينزل من أبراجه العاجية، لينهض بها.
9ـ اعتماد الجودة في العمل، فالإحسان في الدنيا سبيل للنجاح بغض النظر عمن نكون: لونًا، و عرقًا، و دينًا، و طائفة، و فكرًا، و انتماءً، فسنة الله تعالى الجارية في الدنيا ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) المُلك:2.
10ـ الحرص كل الحرص على نظافة الكف، و إبراء الذمة المالية للقائمين على الأمور المالية على وجه الخصوص؛ فالذاكرة لدى المجتمع مليئة بقصص من التساهل المالي فيما يأتي إلى الجمعيات الخيرية، و الإغاثية، و لا نريد لمؤسسات المجتمع المدني المستقبلية أن تنغمس في مثل هذه المستنقعات الآسنة.
11ـ على العاملين في هذه المؤسسات أن يَعُوا أنَّ لكل امرئ دائرتين يتحرك فيهما، هما دائرتا: الاهتمام، و التأثير. و حتى يكون ناجحًا و موفقًا في عمله عليه أن يولي الثانية منهما الاهتمام المطلوب؛ لأنها محل نجاحه و فشله، انطلاقًا من قاعدة ( الأقربون أولى بالمعروف ) قول مأثور. و كما هو معروف أن لكل منطقة خصوصيتها: جغرافيًا، وسكانيًا، وسياسيًا، واجتماعيًا، وعاداتٍ، وتقاليدًا؛ و هذا أمرٌ لا يقدره قدره إلاَّ من يعايشه، و يلمّ بتفاصيله ( أهلُ مكة أَدرَى بشِعابها ) مَثَل عربيٌّ.