تجنب التكلم بالعربية وإلا ستعاقب
اليوم تكلم طلابي باللغة العربية في الصف فيما بينهم، فمنعتهم.
ولكن ليس على طريقة زميلتي الفارسية التي تدرس في إحدى قرى الأهواز وبالتحديد في قرية بيت محارب، والتي عاقبت طالبة لأنها تكلمت مع زميلتها بلغتها العربية.
وكانت العقوبة أن تكتب التلميذة الجملة الفارسية (از صحبت كردن به زبان عربي در كلاس پرهيز ميكنم)، مئة مرة.
ومعناها (سأتجنب النطق بالعربية في الصف).
والجدير بالذكر أن الدروس تلقى في مدارسنا الأهوازية باللغة الفارسية طبقا للدستور الإيراني، وقد نص هذا الدستور في مادته 15 على أن القوميات غير الفارسية تستطيع أن تدرس لغتها وأدبها بلغتها بجانب اللغة الفارسية، ولكن هذه المادة بقت ومنذ مجيء الجمهورية الإسلامية حبرا على ورق.
بل وازدادت العنصرية بلة حيث يمنعون طلابنا العرب من أن يتكلموا مع بعضهم بلغتهم العربية في المدارس.
يقال أن في عهد البهلويين المقبورين والذين كانوا يحكمون البلاد قبل أربعة عقود، مُنع النطق بالعربية في مدارس الأهواز منعا باتا، ومن لم يلتزم بهذا القانون الجائر يغرم.
فماذا غيرت الجمهورية الإسلامية في الأمر وكيف أصبح المعلمون الفرس في عهدها يمضون دوراتهم التدريبية التي تستغرق أربع سنوات في جامعة المعلمين؟
المعلمون الذين ترسلهم دوائر التعليم والتربية إلى مدارس المناطق العربية، هل علموهم أن يحترموا ثقافة ولغة الطلاب؟!
هل أوصوهم أن يحترموا الطالب العربي حتى لو كان لا يستوعب الدروس بسبب ضعفه في اللغة الفارسية؟!
بماذا أوصوك وماذا علموك أيتها الأستاذة حتى أمسيت تمقتين العربية وأهلها إلى هذا الحد؟!
وكم طالبة عربية زرعت اليأس والخوف في قلبها فشردتِها من الدرس والمدرسة؟!
عجبي، وكأن القوم أشربوا في قلوبهم كره العربية ومن ينطق بها!
قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. (من سورة البقرة)
فأما أنا يا زميلتي التي لا أحب أن أنعتك بالعنصرية لأنك زميلتي، فلقد منعتهم من النطق بالعربية لأنهم كانوا يخلطون العربية بالفارسية خلطا يسيء إلى لغتنا الحبيبة لغة الضاد.
ولا ألومهم، ذلك لأنهم لم يدرسوها في مدارس عربية، وكان من حقهم الطبيعي أن يدرسوها، وبسبب هذا الحرمان فإنهم لا يتقنون النطق بلغتهم بشكل يليق بها وبهم.
فهذه اللغة لغة الله التي كلم بها رسوله وأنزل بها كتابه الكريم، وحفظه من الضياع والتحريف.
ولا يجدر بنا أن نمزجها بغيرها والحال أنها مكتفية بذاتها.
ولهذا طلبت من طلابي باحترام تام أن يتكلموا فيما بينهم بالفارسية في الصف، أو أن يتكلموا العربية بالعربية الصحيحة.
ولأنهم لا يستطيعون التخلي عنها، لأنها لغة الحنان والحب، لأنها لغة الأم؛ قالوا لي في حسرة:
لكننا لا نجيدها كما تتوقع منا!
خاطبتهم (وبكل احترام طبعا):
سنتعلمها بجانب الرياضيات إذن.
من الآن فصاعدا، لا تقل لزميلك:
اعطني الخودكار!
بل قل: (اعطني القلم الجاف)....
وكتبت على السبورة:
وطلبت منهم أن يكتبوها في دفاترهم، ففعلوا بلهفة وفرحة كفرحة طفل كان قد ضيع أمه فوجدها.
نعم، إنها لغة الأم، بل الأم بذاتها؛ فإن ضيعناها تيتمنا وضيعنا كل شيء.
واعدتهم أن أصحح لهم في كل جلسة كلمة أو جملة.
وقد استقبلوا اقتراحي، وبدؤوا يكتبون المفردات التي يتعلمونها بأقلامهم الجافة، ولكن يكتبونها مرة واحدة لا مئة مرة.
وسوم: العدد 756