ترانيم صوفية
في محراب العشق والجمال
د.فاطمة محمد العمر
لم أعرفْ مدينةً تحبُّ الجَمالَ مِثلَها ..
لم أرَ مدينةً تعشق الدلال والأناقة تُشبِهُهَا ..
مَدينةٌ يُشكِّلُ الحبُّ ثُلثَي اسمِها .. وَيتَقاسَمُ القلبُ معها ثُلثَي لفظِهِ!!
مَدينةٌ يَبدؤُها الحُبُّ .. وَتتوسَطُها اللَّوعةُ .. وَيختَتمُ البَوحُ حُروفَها!!
مَدينةٌ تَهوَى الطَّربَ وَتبتدِعُ للسَّعادةِ طُقوساً وَأساليبَ مُتجدِّدةً ..
مَدينةٌ يَصحُو الصَّباحُ فيهَا علَى رَائحةِ القَهوةِ ..
وَيغفُو فِيها المَساءُ عَلى نَغمَاتِ القَراصِية وَشَك الألمَاس!!
مَدينةٌ تَتراقَصُ شُرفاتُ مَنازلِها بِألوَانِ الورُودِ وَأَشكالِ الرَّياحِين ..
وَتَغصُّ دَكاكِينُها بِزُجاجاتِ الزَّيتِ وَأنوَاعِ الزَّعترِ!!
مَدينةٌ تَعبدُ العِطرَ فَتجعلُ الغارَ عُنوانَ رَائحَتِها ..
وَتقدِّسُ الرَّفاهِيَّةَ فَتتَّخذُ الفُستقَ شِعاراً لهَا!!
مَدينةٌ تَتحدَّى جَفافَها فَتنشُرُ الحَدائِقَ فِي كُلِّ زَوَايَاهَا ..
وَتتعَالَى عَلى قَحطِهَا فَتبُثُّ مَنابِعَ المِياهِ فِي كُلِّ شَوارِعِهَا!!
مَدينةٌ تَرسُمُ الجَمالَ بِالأبيضِ وَالأشقَرِ وَالعُيونِ المُلوَّنةِ ..
وَتحتَرِمُ المَلاحَةَ السَّمراءَ المَحرُوسةَ بِالعيُونِ السُّودِ!!
مَدينةٌ تُفتِّشُ عن النَّظافَةِ في التُّرابِ فَتستخدِمُ البِيلونَ وَالدَّريرةَ ..
وَتَتكاسَلُ فَي طَردِ الغُبارِ عن زَوايَاها فَتترُكُهُ يَغفُو علَى أَكوامِ النِّسيانِ!!
مَدينةٌ تَضجُّ شَوارعُها بِسكَّانِها كَما تعجُّ بقطَرَات الدَّمِ شَرايينُ القَلوبِ ..
وَتُخفِي مَبانِيها فَتَيَاتِها كَدمعاتٍ خَجلَى تُدارِيها أَهدابُ العُيونِ!!
مَدينةٌ تُشرقُ شمسُهَا فِي الشَّتاءِ دَافئةً ..
وَينهَمِر مَطرُها فِي الصَّيفِ بارِداً!!
مَدينةٌ يُعرِّشُ السِّحرُ علَى جُدرَانِها ..
وَتَقطِفُ الفِتنةُ ثِمارَ حُسنِهَا!!
مَدينةٌ تَفترِشُ الأرضَ لِتخاطِبَ السَّماءَ ..
وَتستجدِي السَّماءَ لتفهمَ أَشواقَ الأرضِ!!
مَدينةٌ تَعقدُ فِي مَساجِدهَا حَلقاتِ الطَّربِ وَليلاتِ النَّغمِ ..
وَتُقيمُ فِي مَلاهِيها صُفوفَ الصَّلاةِ وَنَهارَاتِ الذِّكرِ!!
مَدينةٌ تُجيدُ غَرسَ الحُبِّ فِي صدرِ كلِّ مَن زارَها أَو تعرَّفَ إليهَا يَوماً ..
ثُمَّ إنَّها تُجيدُ استثمَارَ ذلكَ الحُبِّ شَوقاً وَحَنيناً لا يَنضُبَان!!
مَدينةٌ تَحبسُ التَّاريخَ عَلى أسوَارِ قَلعتِها .. وَداخلَ أَسواقِها القَدِيمةِ ..
وَتُطلقُ المُستقبَلَ فِي سُرعةِ حَركَةِ تُجارِها .. وحَيَويةِ نَضَارةِ شَبابِها!!
مَدينةٌ تُربِكُ زَائرَها بِذلكَ التَّداخُلِ العَجيبِ بينَ الأمسِ وَاليومِ ..
بِذلكَ التَّناغُمِ الرَّائعِ بينَ المِاضِي وَالحاضِرِ!!
فَحينَ يَظنُّ أَنَّهُ يَتنقَّلُ فِي الزَّوارِيبِ القَديمةِ وَالمناطِقِ الأَثَريَّةِ ..
يُفاجِئُوهُ مَبنًى عَلَى أَحدثِ طِرازٍ وَتُدهشُهُ سَيَّارةٌ تَعبرُ حَارةً تَكادُ لا تتَّسعُ لَها!!
فَإذا مَضَى إلَى المَناطِقِ الحَديثةِ وَالشَّوارِعِ الوَسيعَةِ ..
سَيفاجِئُوهُ عَبَقُ التَّاريخِ فَي كُلِّ شِبرٍ وَسَيُدهشُهُ الدِّفْءُ المُنتَشرُ فِي كُلِّ بُقعةٍ!!
مَدينةٌ تَسنشِقُ الهَوى وَتستلْهِمُ الإِخاء ..
مَدينةٌ تتنفسُ الحُبَّ وَتتغذَّى بِالوفَاء!!
مَدينةٌ تَكتُبُ الشِّعرَ قَبلَ أَن تُعزفَ النَّغَماتُ ..
وَتُلحِّنُ الأُغنيَةَ قَبلَ أَن تُكتبَ الكَلِماتُ!!
مَدينةٌ تَختَبِئُ فِي قَلبكَ كَأنَّكَ المُختبِئُ فيهَا ..
وَتنامُ علَى ذِراعِكَ فَتظنُّ أَنَّكَ نَائمٌ فِي أحضَانِهَا!!
مَدينةٌ تَتجوَّلُ فِيكَ حينَ تظنُّ أنَّكَ تتجوَّلُ فيهَا ..
وَتكتبُكَ حينَ تظنُّ أنَّكَ تكتبُ عنهَا!!.