ليلة اغتيال القمر
زينب الخالدي
كاتبة وشاعرة أردنية
في السرى لملمت شظايا السنين والقلب الكسير
وانكفأت تلوك حسرتها في هجير العمر
هناك حيث نبتت الأشواك على ضفاف قلبها
لتغتال حلماً ما زال يحبو في تلافيف الذاكرة
*** قالت:
وجهك كان يقبـِّل الشمس كل صباح
ويغتسل بدموع غمامة مهاجرة
وفي الليل تشعله قناديل القمر
فيتوهج إلى حد الاشتعال والتلاشي
***
كنت طيفي المسجى عند حدود اللا أفق
تنشد تراتيل العودة وتتمتم بتعويذة الخلود
وحينما الشمس اكفهرت وأعلنت رحيلها
لبس الليل ثوب الحداد
والطبيعة دقت نواقيسها عالياً
و في الغابة المهجورة
حيث الفراغ والعدم
شبحان يرتحلان نحو اللا نهاية
هناك كان وداعنا
همس في أذنها :
ستبقين رغم الرحيل حبي الأبدي
****
نكأت جرحها فسال الدم في حقول الأقحوان
خضبت جنان التراب
تسربل الزهر بالأحمر القاني
فتوالدت زهور شقائق النعمان
دماً طازجاً معطراً بالذكريات
****
تدلت من السماء نجمة
أطلت من كوة قلبها المظلم
عصفت بها رياح الفراق
أطفأت أضواءها
زمهرير النسيان يؤرجحها
ويهوي بهاإلى قاع قلبها الذي لا قرارله
فتتحطم وتتناثر أشلاء
***
شرر يتطاير من الجمر المتقد في موقدها
ومن عينيها ومن قلبها المثخن بالجراح
شرر يشعل شرانق الحب
المشنوقة بخيوط الوهم والنسيان
تتكاثر حتى تملأ شقوق الذاكرة
فتمنع ضوء النهار
أن يتسلل إلى محجريها
تحوم حول النار
تحوم وتحوم وتتجه نحو محرقتها
فيختنق الحب ويتحول رماداً
ويبقى جمر الذكريات الأرجواني نائماً
تحت غيمة النسيان الرمادية
***
حدقت كثيراً في المرآة الجاثمة أمامها
غريبة هي تلك الملامح
عيناها تتفحصان الزوايا
..تدوران في أفلاكها اللا متنناهية
تحدقان مجدداً ...
هالات ورؤى الزيف تحيط بها
العينان تقتربان وتقتربان أكثر
حتى تغوصا في غياهب الضياع
***
خرساء هي الساعة الجاثمة على الحائط قبالتها
إلا من صوت رتيب يثير جنونها
تك ...تك ...تك ...
إنه صوت نبضات قلبها تئن وهي في حالة احتضار
****
قال لها :
عيونك النرجسية خمر وكروم
تتفيأ في ظلالها النجوم
حينما تطرد من حضرة السماء
في ليل باك سرمدي القسمات
والكوابيس والأشباح ترقص على مذابح الآلهة
تمتمات وتعاويذ السحرة لاتشفع لها
ولا الحقيقة ولاالمجاز
كم أجهشت بالبكاء وأدمنت الرقص
على عزف الجراح
تلعثمت على حدود فمها الكلمات
وذُبح الحلم المنذور على شفتيها
تبصق مرارتها
تقتات القهر والصمت
تتساقط ملامح وجهها
لتشكل لوحة سريالية
على زجاج صدرها المعشق بالحب والصبر
أصداء من الماضي
من نبوءة العراف تعزف ألحانها
في بؤرة التجلي
صرير الأماني ينهش سمعها
ويعلو لهيب التنهدات في ليلها السرمدي بلا انقطاع
سياط الزمن تلاحق أحلامها ورؤاها
تجلِدها
تكسر مراياها ..
.تحطم حلمها
وتغتال قمرها
في ليلة ظلماء
على مذبح الذكريات