في وَداع ِرَجُـلٍ شُـجاعْ
في وَداع ِرَجُـلٍ شُـجاعْ
عـمر أميرالاي (1944-2011)
طريف يوسف آغا
كتبت ُ هذه القصيدة في وداع خالي مخرج الأفلام التسجيلية العالمي عـمر أميرالاي الذي توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة في دمشـق السـبت 5 شـباط / فيبراير 2011
في القصيدة العديد من الإشـارات لأعماله ومواقفه، وقد يكون من المفيد قرائة لمحة عن حياته لإدراك كافة المعاني الواردة. رحمه الله.
في وَداع ِ رَجُـل ٍ شُـجاع ْ
عـمر أميرالاي (1944-2011)
يا عُـمَرُ لا أجِـدُ اليومَ كَـلِمات ٍ
على وَداعِـكَ قادِرة ْ
فالأُسـرَةُ لاتُصَدِقُ بَعـدُ أنَّـكَ رَحَـلتَ
ودُمـوعُ مُحِـبيكَ بَـينَ مُسَـلِّـمَة ٍ وناكِـرة ْ
***
يا عُـمَرُ كُـنتَ دائِـماً في أسـرَتِـنا عَـلامَـة ْ
وفي العـالِم ِ كُـنتَ بِفَـنِّكَ عَـلَّامَـة ْ
الفَـنُ الذي طالَـما أبدَعـتَ بِـهِ
سَـكَنَ الذُرى واسـتَقطَبَ الأقـلامَ
***
يا عُـمَرُ كُـنتَ دائِـماً لأُسـرَتِـنا صَرحَـاً
بَينَ الآخَـرينَ بِـهِ نَفتَخِـرُ
ورَمـزاً لَطـالَما عَشِـقنا مَـعانيهِ
ومَـثَلاً مِـنهُ المِـثالِيةُ تشِـعُ وتَنتشِـرُ
***
يا عُـمَرُ ياصاحِـبَ المَلامِـح ِ النَـبيلَةِ
لِلقُـلوبِ صورَة ٌ على الوجـوهِ تَنعَكِـسُ
كُـنتَ دَوماً لِلمَبادئ ِ حارِسـها وراعيهـا
والضَمائِرُ كُلَما مَرِضَتْ، أتَتكَ الدواءَ تلتمِـسُ
***
ياعُـمَرُ بِـكَلامَـكَ كُـنتَ سـائِد ْ
وبِصَمْـتِكَ كُـنتَ كَـالزاهِـد ْ
بِوقـارِكَ كُـنتَ كَـالراهِـبْ
وبِفِكـرِكَ كُـنتَ مَـوهوباً وواهِـبْ
***
يا عُـمَرُ حَـباكَ اللهُ مَـوهِـبَة ً
لَيـسَ عَـليها غُـبارٌ ولا اخـتِلافُ
أنكَـرَها الجاهِـلونَ والكـارهونَ والحسـاد ُ
وأنصَـفَها مَـن يُعـرَفُ عَـنهُمُ الإنصافُ
***
مِـن ْ خَـلفِ الكَـاميرا أثَـرتَ الزوابِـع ْ
بِـلا رُتوشٍ صَوَّرتَ حَـقيقَةَ الواقِـع ْ
ورَفضتَ دوماً إضافَـةَ المَكـياجِ
بالأبيَضِ والأسـوَدِ كُـنتَ رائِـع ْ
***
الإصلاح ُ رَفَعـتَ رايَتَـه ُ
والفَسـاد ُ وثَّـقتَ بَشـاعَـتَه ُ
والجُـرأة ُ كُـنتَ مِمَنْ أرسـى قَواعِـدَها
والتنازلُ ما عَـرِفتَ يَوماً وَضاعَـتَه ُ
***
ما كـانَ للمُسـاوَمَـةِ في قاموسِـكَ وجـود ْ
ولا كـانَ سُـلوكُـكَ بحـاجَةٍ لمُخـتارٍ وشُـهود ْ
ما كُـنتَ بحـاجَةٍ لِلوصايَـةِ مِـن أحَـد ْ
فالأخلاقُ عِـندكَ ما كانَتْ شَـيئاً يَذهَـبُ ويَعود ْ
***
اِسـتمَعتَ لِلضُعَفـاء ِ وحـاوَرتَ الأقـوياء ْ
ولاحَـقتَ راكِـبَ المَرسـيدِسْ وراكِـبَ الحِـمارْ
وسـألتَ هَـذا مِـنْ أيَـنَ لَـهُ هَـذا؟
وسـألتَ ذاكَ أحَـقاً يَعـرِفُ لَـونَ النَهـارْ ؟
***
أنتَ وبَعضُ أصدِقائِـكَ كُـنتُم ُ الفُرسـان ْ
وَضَعتُـمْ أصابِعَكُـمْ عَـلى الجِـراح ْ
ورَفَعتُـمْ رايَـة َ الإصلاح ْ
لَمْ يوقِـفكُمُ التَهميـشُ ولامَنَعَتكُـمُ الرِماح ْ
***
ما كـانَتْ ذَقْـنُ أحـدٍ عِـندكَ مُمَشَّـطة ْ
صاحِبُ النَـعلِ الذَهَبي أثَـرتَه ُ
و ابنَة ُ ذي الفَـقارِ أقَمـتَ لَـها مَحكَـمة ْ
وعلى ضِفـافِ الفُـراتِ سَـطَّرتَ مَـلحَمة ْ
***
حَـياةُ القريَـةِ خَـلقتَ مِـنها مأثَـرة ْ
وتأسَّـفتَ على الدَجـاج ِ وبَكَـيتَ القُـنَيطِرة ْ
والحُـبُ في مِـصرَ كَشَـفتَ أسـبابَ وأدَه ُ
ورأيْـتَ في مَـصائِبِ قَـوم ٍ لِفوائِـد ِ الغَـيرِ مَـعبَرا
***
قالـوا أنَّـكَ تُـغَرِدُ خـارجَ السُـربِ
ودَعـوكَ لِلغِناء ِ مَعَ باقي البَلابِـلْ
وعَـرَضوا عَـليكَ جَـزيلَ المَـزايا
فلا التَفَـتَّ إليَهمْ ولاكُـنتَ لِعُـروضِهِمْ سـائِـلْ
***
ثُـمَ قـالوا أنَّـكَ تَغـوى المُشـاكَسـة ْ
وأنَ أعمالَـكَ بِـدونِهمْ بالنَجـاح ِ يائِسـة ْ
فإذا بكَ تَبـلُغ ُ قِـمَة َ الهَـرَم ِ
وإذا بتَـقديراتِهمْ تأخُـذُ عَـلامَة ً بائِسـة ْ
***
ولَكِـنكَ وبِحِـرَفيَّـةٍ عـالية ْ
حافَظتَ مَـعَ الجَميع ِ على شَـعرَةِ مُـعاوية ْ
فكُـلُ مَـن وافَقَـكَ ومَـنْ اخـتَلَفَ مَـعكَ
شَـهِدَ على فَنِّـكَ الراقي وأخلاقِـكَ السـامية ْ
***
يا عَـزيزي هِـيَّ كَـلِمَة ٌ
كُـنتَ دَومـاً لِلناس ِ توَجِـهَها
فالعِـزَة ُ في طَبعِـكَ مؤَصَـلَة ٌ
والأصالَة ُ كُـنتَ خَـيرَ مَـنْ يُمَثِـلُها
***
رَحَـلتَ اليومَ ياعُـمَرُ بِصَمـت ٍ
وصَمـتُكَ في الحَـياة ِ كـانَ جَـدُ أنيـقْ
وعَـربيٌ أمْ تُـركيٌ أمْ شَـركَسيٌ كُـنت َ
فكـانَ يَفـوح ُ مِـنكَ مِـنَ الشـام ِ عِـطرٌ عَـتيقْ