حلم يطرقُ الأبواب

حلم يطرقُ الأبواب

مرام شاهين

تأخذني سوريّا من نفسي ..

فيأبى القلمُ أن يخطّ إلا عن ترابها حتّى في المذكّرات !

وتأبى الأوقاتُ أن تملأ بغير أخبارها ، وأسماءِ محافظاتها ..

أنستني سوريّا كل ألّم ، وتصدّرت الحلم الأول والرجاءَ الأول في كلّ قنوت وسجود

بل وإنّ الخيال حتى يأبى إلا أن يُحلّق إلى العيدِ القادم !

نحزمُ أمتعتنـا نحو شام العزّ ، نتخطّى الحدودَ مع مئاتِ العائدين ..

حيطانُ الشّوارع مرسوم عليها " حريّة " وأرجوحة الأطفال التي اصطفّ خلفها الأطفال ، ملونة هي الاخرى بألوان الفرح ..

إلى المصلّى لنصلي صلاة العيد خلف شيخنا العرعور ثم يخطب بصوته الجهوريّ خطبة النصر ، تلتفّ حوله كل كاميرات الإعلام تحتفلُ هي الأخرى بوصولها تراب سوريا الأبيّة بشبابها وشهدائها وأطفالها ..

نزورُ نواعير حماة ، وبحر اللاذقيّة ، ومروج كسب ، وجبال بلودان ..

يُشيرُ أبي إلى صنم (حافظ الأسد) المحطّم على أبواب حمص ، ويبدأ يقصّ علينا نهاية الظالمين

إنّها ساحةُ العاصي التي طالما حلمتُ أن أكونَ بين أهلها أردّد خلف شعاراتهم وأهتفُ معهم .. إنها تقيمُ اليوم عرس الانتصار ، كلمة الشّرف للأستاذ عصام العطّار ولشباب "شبكة شام" .. وأهازيج الوطن بأصواتِ منشدي الثورة ، ويتعالى التّصفيق ، وتتوالى تقاريرُ وكالات الأنباء !

ألتقطُ في المساء صورة تذكاريّة لإخوتي بعد أن صلّوا العشاء في المسجد العمريّ ، إنه هو الآخر مزيّن بشتى أنواع الزينة ، فخور بما سال في ساحته من دماء ..

سوق الحميديّة يوزع على كل رواده "ملبس" فرحاً بهذا النّصر .. وجامع الحسن في الميدان لايفتأ عن التكبير ، وكأنّه العيدُ الاول الذي يزورُ أراضي سوريا الحبيبة !..

بيوتُ أمهات الشهداء مزدحمة حاشدة ، تأتيهم التهاني تباعاً تباعاً ، ولي من أم حمزة الخطيب نصيب من السّلام والتوقيع !

أما لاجئو تركيّا ، فإنهم يقيمون في جسر الشغور أمسية العودة ، أمسية عيد الرحيل ..

وفي اليوم الثالث على شاطئ البحر وبامتداد كلّ مدن السّاحل ، مليونيّة الاحتفال بكل أسرى السجون .. دموع وزغاريد ، وعراضات شاميّة .. فرح أمّ وبكاء أخت ، وشعب فُكّ قيده بعدَ أربعين سنةِ احتلال ..

حلمٌ يطرقُ الأبواب .. بدأت شمسه تخترقُ كلّ جدرانِ الصّمت !

إنه أمل منشود ، وعند الله لاتضيعُ الآمال .