نصوص نثرية

أنس أبو عريش /الخليل

[email protected]

هكذا أنا

أقفُ تحتَ مَطَرِ الذاتْ

فتُبللَني حّكايا قّديمَة

جفّتْ عنها مِياهُ كانونْ

ويتلاهى المارةُ بصمتٍ يمزقُ صدقَ اللحظةِ

فأتضمخُ بألوانٍ ما كنتُ أراها من قبل

وأقفُ عندَ منحدراتِ الزمان

بانتظارِ أن تزورني الهاويةْ

وتأخذني معها في رحلةٍ مبللةٍ  بالأمنيات

وقد اهترقت منْ فرطِ ما مرّت خريفاتٍ واعية

تعي أنّ الليلَ إذا أقبلَ وجههُ

انتصرتْ نصالُ الحُروب

يتلونُ جزءٌ من النهارْ

في إشارةٍ إلى فقرِ المكان

ويدعوهُ إلى حسنِ السيرةِ والسلوكْ

خاصةً إن مرّ صهيلٌ للآمال

أما أرضُ الجسرِ

فلتفرحْ بما وصلها من عيدان الطفولة

لكنْ بأقصى درجات الصمتِ الأسير تحت سمائه

خبئ زهركَ خلفَ جرحكْ

كما يخبئ الشابُ أوراقَ حبه

في أروقةٍ سرمدية

تشي بصفاءِ الروحِ الأولْ

منذُ انزلقت دموعهِ بلا سببْ

على ثوبِ أمهه الممزقْ

واحترقْ بخفةٍ وسرورْ

في ظلِ سنبلةٍ ملآى

قررتْ أنْ تقضي حياتَها فِداءً للآلام

تتداخلُ خطوط الحياةِ في عبثيةٍ لا منتهية

نصفها يرسمُ الحياة كما يراها عاشقٍ فوضوي

يتلوى على أرصفة النقاء

والنصف الآخر يحاولُ تقليد مشاعرَ جنديٍ

في معركة انتصرَ فيها بدونِ سلاح

فتمورُ في دهاليزِ الأملْ

أسيرٌ أنا لخوفي وضياعي

يواسيني الحمامُ بحجبِ الضوءِ المتبقي لي

من حياةٍ لفظَتني إلى موتي المضللْ

بينَ جماجمِ الروحِ الحية

يأمرني خطُ الدمِ في ظهري

أن أبقى محترقاً

في هذيانِ دخانِ سيجارةٍ انطفأ حنينها

يتمايلُ في صعودهِ إلى سماءٍ ملموسةْ

أسافرُ من جرفُ الهاويةِ

إلى جرفِ التأملِ

فتأمرني آثارُ أقدامي

أن أعودَ لما بَقِي

من رحمةِ الحُروبِ الناعمة

المنغمسة في ظلِ أرقٍ أبدي

تتعمقُ سكينُ الحقدِ

في قلبِ بقعتي المضيئة

لتأمرني بعنفٍ : الكلامُ كالهواء، ممنوعٌ من الحراك

فإما أنْ تزيحَ ناظريكَ عن وشم الألم

وإلا فاخلعْ ستارَ الحُروفِ المراهقةْ

كي يتسنى لكَ حبٌ سرمديٌ لظل السكينْ

القابع على جسدكْ

تتناثرُ الأمنيات

 بألوانها البراقة

في سماء الذاكرة

كما تنطلقُ آلافٌ من البالونات

في سباقٍ إلى أقربِ غيمةٍ قطنيةٍ

 تجوبُ في الهواء في انتعاشٍ

لذيذ التأمل والمطاردة

تحسبين أن إزاحةَ ستارة الحبِ

سيعبّدُ للنورِطريقاً من هُنا

كأنّ النورَ يجهلُ

كيفَ تمضي عاشقةٌ مترفةٌ بالأمنيات

إلى وداعِها ما قبل الأخير

وتتركُ خلفَهاخصلةَ شعرٍ

إلتقطها هو في أول لقاءْ

وظلا يتبادلانها كلما حنّت الوردةُ إلى أمها

وكلما حنّ الحنونُ إلى حنينه

*  *  * 

غبَشٌ كثيفٌ يحاصركْ

إذ سمحتَ لهُ بزيارةٍ سَريعة

يلتقطُ فيها بعض تفاصيل وجهٍ مستعارٍ

منْ حانوتٍ قديمٍ ملّ العابرونَ النظرَ

إلى معروضاته

فأخذوا يتبرعونَ له بعباراتٍ

تشقُ طريقها من بينِ زحام الحُروفِ المراهقة

لتحاولَ إقناعَهُ بحزمِ أمتعةِ الغدرِ

إلى عالمٍ غنيٍ بالذكريات

لم يبقَ في الصورةِ

سوى وجهٌ هادئ الأركانْ

وإغفاءةٌ للظلامْ

على وسادةِ الأيامْ

يبللنا مطَرُ الذاتْ

بنعومة أريجهِ المتطايرِ

حولَ الجَسد المسجى فوقَ الآمال

في الإنتظارِ

تقليلٌ من شأنِ الذاتْ

وتعظيمٌ من الأخرى

وفيه النظراتُ طويلةُ الهذيان

اللذيذِ كلذة فراولة طازجة

تنزاح حلاوتها بعذوبة طرية

 بينَ خلايا اللسانْ

*  *  * 

يتمازجُ الدخانُ الأبيضُ

معَ المكانْ

الدخانُ يرقُصُ

والمكانُ يحتوي تمايلهُ بحبٍ عارم

ويدعوهُ لمواصلةِ غموضِ الحدثْ

في بئرِ الظلامِ العميقةْ

أتشردقُ في ظلِ شعرةٍ

فتدعوني الريحُ في رحلةٍ معها

إلى غيمِ ما بعدَ التكوينْ

أجيبُها بهدوءٍ دونَ أن أدركَ طيشَ التكبرْ

يبرزُ القلمُ رأسهُ هارباً

فتسحبهُ الأوراقُ إلى موطنهِ:

هُنا..أدركَ البعضُ إمتزاجَ اللاوعيِ بالمكانْ

هُنا..إضمحلتْ آراء الناسِ فيما يتعلقُ

بشرفِ التكوينْ

أطلبُ من إستدارةِ نظارتي

أن تخفي آثارَ أقدامِ دُموعي

فتجيبُ: إنّ الدموعَ إذا إختبأتْ

جفَّ مفعولها

ويعودُ مَطَرُ الذاتِ إلى عملهِ الأزليِّ:

تهديدُ أرضُ أحلامي

بالجفافِ الأبديّ

في حضورِ نظارتي

التي لا يستطيعَ أحدٌ فقأ عينها

أطمئنُ على صحةِ عيني

*  *  * 

على سريرِ أحزاني أتقلبْ

كما يتقلبُ الماءُ حالَ غليانهْ

بضجيجٍ هذيانيْ