أحكي لكم
أحكي لكم ...
عزيز العرباوي
كاتب وشاعر من المغرب
منذ شهور زرت بلدتي ، كان الأهل قد سكنوا أكواخا موعودة
فكان شربهم من بئر مطمورة بالخلاء .
وكان أكلهم من حشيش الأرض الطيبة ،
ولقد بذروا بالشمس حقولا جائعة وعطشى
وبالأشعة بساتين موز معلقة بالسماء .
عسعس الظلام ، وخفت خطا الأنام ،
وخرجت ذئاب مكشرة لا تلوح لك بالنهار
وسار خلفها أبناؤها يستعجلون الموت للآخرين
من يملكون كسرة خبز جافة ...
وجرعة لبن مسموم ...
لم يفروا إلى قرية أخرى من ذئاب عزريل أو عام الجوع
وفي ذات صيف ، مات عمي الأكبر .
لم يك يعشق الموت ...
وسدوه في التراب ، والجوع بين يديه يبني قلاعه ،
وعندما تلا الإمام كتابه ، بعث حيا قبل أوانه ،
وعكر بالخوف صفو الحفل البهيج المقام ...
ولقد مد لي قلبه ، وجرني في دهشة إليه ،
وحدق في مقلتي في سكونه ...
لم يك في نفسي حزن ، قد اختفى في بطن الشك والتمويه
خلت عمي حيا لم يمت ، ووسدوه في الأرض رغما عنه ،
ولقد كان سهما في حشا قلب الدنيا يهتز
ويظل ما عاش يسقي الذئاب سما زعافا
ولا يبعد إن طال عمره عن صمت الليل ونقيق الضفادع ،
يتحدى السنين وهي تعشق شخير النساء .
.
ولم يخش من بعض الأسماء وهي تروح إلى النسيان ،
يستطيع أن يقي النفس نوم العاشقين ،
كلما تحولت وصارت إلى الخواء .
قد اختفى عمي إلى الأبد ، وكفنوه وباسوا رأسه ...
وأغرقوا جثمانه في سفح الجبال ...
والكرسي والسلة في منخفض الرمال ...
فما لميت أن يعيش وروحه عند ربه ... !!