نزف قلب جريح
نزف قلب جريح
مصطفى أحمد البيطار
الحنين قديم متغلغل في سويداء قلبي المُعَنَّى
له أصداء من الآهات في أعماق نفسي منذ طفولتي الجائرة
التي جرعتني كأس اليُتْمِ حتى الثُّمَالة
بفقد أمي
التي كانت نبع الحنان الذي أَعُبُّ منه
ونور بصري الذي أتضوأ به ،
ودفءَ وسادي ومِهَادي الذي آوي إليه
وماءَ الحياة الذي يَقْوَى به عظمي ، ويشتد عودي .
فيا ويح نفسي من بؤسي ونَكْسِي
لم يترك لي الدهر سوى الحزن يلاحقني كظلي
في ذهابي وإيابي
أهيم به على وجهي
في لَعِبِي مع أترابي ، في وحدتي ، في صفحات كتابي
أذرف الدمع هتونا في دجى الليل
وكم يؤرقني السهاد ،
ويطول ليلي بانتظار فجر رغابي .
لقد رماني القضاء بالفَضَاء مَهِيضَ الجَنَاح
أَتَعَثَّر بالخُطَى في مهد الطفولة
في ريعان الشباب ،
حُلُمِي وأملي كبير ، ينوء بتحقيقه غَضُّ الإِهاب .
أنا لم أجد بين أمسي وغدي وحاضري سوى الآلام تحيط بي
ويضيق الفضاء الرحب بناظري
فأرى فوق ليلي غيومًا تَنْسِجُ خيوط الظلام لي
وجراحات في النفس تتنزى همومًا بما لا يحلو لي .
أثخنتني الجراح في ربيع شبابي
فلم أجد من أشكو له سوى قرآن ربي ، فيه دواء لكل مصاب
أعوم في بحر الحياة بقاربي الصغير
مُتَمَسِّكًا بمجداف صبري وعزيمتي وكتابي
وكُلَّما لاح لي من الأمل حلم رفرف الفؤاد له حبورًا
و انداح عنه ضباب الأسى وأضاء نورًا
فَسِرْتُ مُستأنِسًا بضيائه
نحو فجر أرى فيه أبنائي ؛ بَنَوا للمستقبل المجهول جسورا
تغربوا عن الأوطان عن الأهل
لاقتناص علم حققوا فيه حلمي الذي كان في عالم الغيب مستورا
من بلاد كانت منارةً للعلم للحضارة للخلافة دهورا .
كرَّست جُلَّ عمري الذي مضى وما تبقى
أُمَهِّدُ لهم سبل المعالي لينالوا العز والتقى
ليسعدوا ، وأرى أحفادي في سلم المجد بُدورا .
أرهقت نفسي في نفق الحياة لما تصبو إليه كي أجني زهورا
وما زلت في تحنان إلى جمع شملي
بأبناءٍ نأوا في طلب العلا عدد سنين وشهورا .
بالله يا صاح لا تلمني
طالت غربتي عن الأهل عن الأوطان والخلان والأبناء كثيرا ،
و لكن عزائي برسول الله ﷺ وصحبه الكرام
الصابرين في دار الهجرة على لأواء المدينة وحرِّها وقرها
والبعد عن الوطن هو درس فيه عِبرٌ ومواعظ لمن أراد أن يَذَّكَّر أو أراد شكورا .
حمدًا لك يا ربُّ
بما تفضلت ، وتكرمت ،
وأجزلت العطاء ، فألهمنا الشكر في السراء والضراء
والصبر عند شدة الابتلاء ، والرضا بالقضاء .