حسناء غزة

عمرو الغامدي

[email protected]

عُصبة رجال في ساحة المدينة

طبول تقرع على عُلبِ الخمر

لولا جُبن أنفسهم ما اجتمعوا

فيهم الشيخ والزاهد والورعُ

فيهم اللص والقاتل والبشعُ

هم الأصحاب وهم الأعداء

ستعرفهم إذا ما لمستهم بيدك

فالناظر إليهم مرة قد ينخدعُ

تظنّ بأنهم يقيمون حفلة شواء

أو ربما مجرد عابرون من هنا

أسأنا الظن فيهم مع من أساء

يؤذن الفجر على رؤوسهم

ليس هناك تعبير على وجوههم

تمرّ جنازة بينهم وهم ينظرون

قارعُ الطبل يضرب بيديه

وشارب الخمر مٌغمض عينيه

ليست يا سادة حفلة للشواء

ولم نسئ الظن مع من أساء

واروا جثمان العرب إلى قبرها

ذهب الرجلُ وبقيت الحذاء  

يا حافر القبر ومُنزل التابوت

بأي ذنبٍ هذه العربيّة تموت !

جُس نبضها وأعد الاستماع

فالكذبة الكبرى دوّنها الطبيب

و زوّر تقريراً يقضي بموتنا

وصدقناه يا لبشاعة جرمنا !

في التابوت أبٌ وأمٌّ وحبيب

في التابوت أمل كان قريب

فيه قرآننا المحفوظ قد ضاع

فيه شيخٌ طولهُ سبعون ذراع

يا مزوّر التقرير هل ترانا

نصلّي كل الأموات سوانا

لا تتكبّد معنا مشقة الإقناع

فإن القبر يجمعكم ويجمعنا

والتراب يغشاكم ويغشانا  

فإن كرهتم يوماً السكوتَ

ودبّ في القوم نور الفجر

فسأل عنهمُ تاروت وماروت

اسألهما كيف لأمة بأكملها

شيوخها وشبابها ونسائها

جنودها ورجالها وعظماؤها

ترميهم حنكة يهودي بتابوت ؟

يا ملكا بابلَ أتسمعان الصوت ؟

بالله هل تعلّمانِ هذه الأنامل

كيف حجرُ طفل المقاومة

يساوي في انفجاره القنابل ؟

وكيف إذ ْ تمرّ من هنا دبابة

تسطّر في الأرض قانون ظلمٍ

ويقلبُ عاليها طفلٌ بمخلابه ؟

يا كاتب التقرير أمَا تعبت ؟

اكتب ما تشاء إذا أردت

في التابوت أمة ستكسره يوماً

وتعودُ إليكم من بعد الموت !  

حسناءُ غزة خلف الأعادي

يسمعها أميرُ الفرات تنادي

تعالَ إليّ الدهر والقدر ذاتهُ

فأحدنا على المشرقُ ينتظرُ

والأخرى على المغربِ تنتحرُ

تعالَ إليّ فالشارع طويل

فيه لصّ ذو قناع ومنظار

فيه قاتل مأجور يبيع الخضار

مزّقوا العباءة على رأسي

وكحّلوا عيناي من دمي

إن أتيتُ إليكَ يقتلني البائع

إن تحركت يسلبني القاتل

أنا حب من منفضة الرماد

جنديةّ تكتب إليك الرسائل

قطرتا دمٍ بيننا حاجزٌ فاصل .  

لازالت الطبول الآن تقرعُ

يرقص فوقها التقيّ والورعُ

وعلبُ الخمر تُسكر بلا خمرٍ

ونعتقد بأنها حفلة للشواء

ونسيء الظن مع من أساء

وصوتُ الفجر يعلو سُكرنا

والخيبة تتركزُ في بؤسنا

قارع الطبل يضرب بيديه

وشارب الخمر مغمض عينيه

واروا جثمان العرب إلى قبرها

ذهب الرجل وبقيت الحذاء

ولم نفهم حين بكتِ الأرض

وتنازلت عن حقها في البقاء

أنهُ رحل النور عن شمسنا

ولم يبقى في غزة حسناء.