همسات القمر56
*ذاكرة لا تموت... تقتات الروح تنمو على ضفاف الجروح ترتاد مقاهي النفس المعذبة تستلقي على شرفات الذات اللاهثة تختبئ في مفاوز جفن لا يفتأ يبكي وينوح تلك هي ذاكرة الوجع
*حين يعتزل المرء في جزيرته النائية تتنازعه جواذب مختلفة حينا يود أن يغرق كل السفن الرابطة على أطراف جزيرته ليقطع أمل العودة وحينا آخر .. يود أن يهرول بعزم ليرفع شراعه وينطلق وبين الرغبتين .. يكمن صراع يتغذى على هناء النفس وسكينتها وأنسها
*تتشابك خيوط الذاكرة وتتعقد ينساب بعض رجاء يتملق النسيان يخطب وده ويرجو عطفه ورضاه يحتدم الصراع .. تتفلت الآهات متناثرة في دروب الضياع
*"ما لجرح بميت إيلام" لطالما استوقفني هذا الشطر ولطالما تساءلت : هل حقا لا يؤلم الجرح الميت ؟ أتراه إن وقع عليه جرح آخر سيموت بمجرد ملامسته؟ أم أنه سيحييه ويعيد له أوجاعه التي ذوت وتلاشت عندما يلامس الحزن تربة خضراء يانعة ، يبدو وكأنه بقعة متصحرة وسط هذا الجمال يشوهه ويقبّح منظره...يثير زوابع من الحزن وأعاصير من الأسى . لكن عندما يسقط على صحراء قاسية قاحلة .. سيندمج معه ويغيب في عمق أوحاله ...ربما لهذا نشعر أن الجرح الميت لا يتألم " ما لجرح بميت إيلام " ؟ يبقى حبيس موته ما دامت أنسام الفرح تحوم حوله ، ما إن تلامسه سكين وجع جديد ، يعود كبركان خامد استيقظ من سباته وحان موعد ثورته.
*كتساقط أوراق الخريف، تتكوم بعض أفكار قرب جدار النسيان تتسلل أفعى المكر من بين الشقوق بذيلها المتراقص غدرا تضرب تلك الكومة البائسة تهتز جذلا على منظر تفرقها المذعور في دروب الضياع والخذلان !
*ذاكرة الوجع قاسية عنيدة حادة لا تقبل المساومة ولا تعرف للهدنة سبيلا تطرق جدران رأسي بعنفوان وشدة أصرخ بها أن قد كفى !! ما عدت قادرة على استقبال المزيد أغطي عيني بيد مرتجفة خائفة علها تزول قليلا أو تغيب .. أغدو كمن يشاهد فيلما يدور ويتحرك مثل حلقة مفرغة لا تمل من التكرار ولا ترضى بالهزيمة والفرار فلسطين.. سوريا.. اليمن .. العراق .. ...... والمشاهد تطول .. مشبعة برائحة البارود ، ممهورة بتواقيع البراميل المتفجرة والصواريخ التي بحقدها الأعمى تصول وتجول .. أفتح عيني لعل ما كان كابوسا بمجرد ملامسة ضوء الحقيقة سيزول .. ولكن .. يغص القلب ، وتبقى الذاكرة حية تتجدد يتمازج سكانها القدامى بكثير من جدد الساكنين .. يعز الكلام .. ويعلو صوت الأنين !!
*أو ينبعث القلب من حطامه انبعاث العنقاء من رمادها ؟ بعيدا عن الأساطير، بعيدا عن حلم يهوي وآخر يطير بعيدا عن تهاويم المشعوذين ووخز المحبطين يبقى الأمل حياة المرء وروحه التي ترافقه في دروب الحياة الموجعة وتبقى الأماني متشبثة بأجنحة الدعاء .. وما خاب من وقف خاشعا يطرق باب الرجاء
وسوم: العدد 654