ديوان "هوى الملكات" في ندوة اليوم السابع

clip_image001_9e1d8.jpg

clip_image003_a1c0c.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان "هوى الملكات" للشاعر ماجد أبو غوش، الصادر عام 2017 عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، ويقع الدّيوان الذي يحمل غلافه الأوّل لوحة للفنانة لينا حجازي، وصمّمه ومنتجه شربل الياس في 136 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النقاش مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

"هوى الملكات".. بين سيطرة الحب وقوة الغياب

من يقرأ ديوان "هوى الملكات" للشاعر ماجد أبو غوش، يدرك تماما أن الكاتب ما زال يعيش أجواء روايته "عسل الملكات" التي كانت قد صدرت عام 2015، فهو ما زال تحت تأثيرها وتأثير شخوصها. فالملكة كانت أيضا هناك، والغزالة المغدورة هناك، والذئب الغادر التائه بين العاطفة والواجب أيضا هناك... ويافا .. والبحر.... والتيه والضياع.. والحب والغياب...

ربما أراد الكاتب مع سبق الاصرار والتّرصّد عدم الخروج من "الحالة". فالعملان الأدبيان يعكسان مشاعر خيبة أمل صريحة لما  يجري من تطورات على الساحة السياسية.

لا أدري أكان العملان بمثابة الصرخة.. أو ربما جاءا كحالة من الهذيان تنمّ عن استياء ورفض واضح وصريح.

وهنا يستحضرني سؤال.. لماذا الذئب؟ لماذا يستعين العديد من الأدباء العرب بالذئب حين يرسمون شخوصهم؟ هل لتمجيد القوة أم المكر؟ أم التمرد؟ أو ربما قصدوا العدالة التي يفتقدها بني البشر، فحين تجوع الذئاب تشكل حلقة منها، وتبدأ بالعواء بطريقة خاصة تزن من خلالها القوة والضعف في نفوس الذئاب الأخرى، فتنقض على أضعفها.

فالذئاب تحترم القدرات والكفاءات ولا وساطة عندها ولا اضطهاد، كل يأخذ حقه كما يجب أن يكون. المعايير لديها جليّة وواضحة، لا لبس فيها. ولا يوجد في قاموسها فيتامين "واو".

أما الوطن فحضوره في الديوان قوي من خلال عنوان : " في حب يافا".

حتى أن الشاعر اعتبر اسم يافا من أسماء الله الحسنى حين قال:

"ويافا أيضا

من أسماء الحب السحرية

والحب

من أسماء الله الحسنى

أيضا."

من الواضح أيضا أن هناك تناصّا في بعض النصوص مع القرآن الكريم.

مثالا على ذلك، ففي الفقرة الأولى من  "نصوص" صفحة 51 جاء:

"كلانا نعلم أن الله

يغفر للملكات

ما تأخر من حب

وما تقدّم."

فهناك تناص مع آية رقم 2 من سورة الفتح" يغفر لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا."

وكذلك ما جاء في ص.66:

"لست نبيا

لكن

دثريني

زمليني

لست نبيا

حتى أبعث حيا"

فقد جاء في آية 33 من سورة مريم: "وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا."

الديوان يحمل مفاهيم فلسفية عميقة تحاكي النفس البشرية، تعكس صراعا نفسيا حول القيم، وحول ما هو كائن وما يجب أن يكون.

لفتت نظري الفقرات التي جاءت على صورة تساؤلات في "ص. 112-113"

على سبيل المثال جاء في فقرة 38 من ص. 113:

"لماذا يستسلم النّهر

كلما دخل البحر؟

لأنه يظن

أنه وصل البيت"

وفي فقرة 40 جاء:

"لماذا

تبكي زوجة الصّياد

كلما عاد زوجها

من الغابة

بلحم الطرائد؟

لأنها تسمع نواح الأمهات

كلما صوّب الصياد

طلقة."

ديوان "هوى الملكات" عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية مغموسة بقيم ومفاهيم يسعى لها بنو البشر.. ولكن هيهات... أكثرها شعارات يتغنى بها الناس صوريا لتحقيق مصالح فردية.

وفي الختام.. لغة الديوان جميلة، وأسلوب الشّاعر شيق، لا تعقيد فيه.

وقال جميل السلحوت:

بدأ ماجد أبو غوش المولود عام 1959 في قرية عمواس –من قرى اللطرون، التي تمّ تهجير مواطنيها في حرب حزيران 1969 العدوانيّة-  مشواره الأدبي في سنّ مبكرة بقرض الشّعر، وصدرت له أكثر من عشرة دواوين شعرية، قبل أن تصدر له بضع قصص للأطفال وروايتان، ولا يزال في عنفوان عطائه الأدبيّ.

وفي هذا الدّيوان " هوى الملكات" سيلاحظ القارئ أنّ قصائده انعكاس طبيعيّ لشخصيّة الشّاعر، فشاعرنا مرهف الاحساس ودود نقيّ حتّى النّخاع، يمضي حياته بعفويّة تامّة، يعرف تماما متى يكون ليّنا رقيقا في غير ضعف كما هي سجيّته، تماما مثلما هو صلب عندما تتطلّب الأمور ذلك، لكنّه صادق دائما مع ذاته قبل صدقه المعروف مع الآخرين.

ومّما لفت انتباهي عنوان الدّيوان "هوى الملكات" وقبله كانت روايته "عسل الملكات" الصادرة عام 2015 عن دار الأهليّة في عمّان، فهل الكاتب متأثرّ برواية "برهان العسل" للكاتبة والشّاعرة السّوريّة سلوى النعيمي، أم هي مجرّد تناصّ عفوي؟ فسلوى النّعيمي أغرقت في الممنوع وتعدّت الخطوط الحمراء لثقافة "التّابو" الموروثة، لكنّ ماجد أبو غوش ببوحه شعرا ونثرا عبّر عمّا يجول في خاطره كإنسان يحترم انسانيّته.

وعفويّة شاعرنا تتجلّى بلغة شعريّة انسيابيّة دافقة لا تصنّع فيها، فهو انسان يحبّ ويكره، لكنّه يعرف أيضا ما له وما عليه، يقول في إحدى قصائده:

" في الحبّ

قد لا تستطيع

 منع قلبك

من الوقوع في الحبّ

لكنّك تستطيع

منع ساقيك من اللحاق به." ص 39.

وكأنّي به هنا يقرّ بأنّ للحبّ طرفين، لأنّه:

" والحبّ من طرف واحد

محض جنون

وانتحار بطيء" ص38.

والحبّ عند شاعرنا ليس المقصود به الحبّ المعروف بين الرّجل والمرأة، فهناكّ حبّ فطريّ بريء حيث يقول:

" والحبّ أيضا

أن تمضي الأمّ

كلّ صباح

بإفطار قلبها وحقيبته المدرسيّة

إلى المقبرة" ص 36.

وهو محبّ لابنته أيضا فيقول:

"كان لي ابنة

أحرس أحلامها

وترعى أحوال قلبي" ص52.

وهو يفتقد ابنته متحسّرا فيقول:

"ابنتي التي علّمتها الحبّ

والصّيد والطيران

نسيت كلّ هذا

عندما وقعت في الحبّ"ص56.

والحبّ أيضا للوطن، في قصيدته "في حبّ يافا" يقول:

"وحده قلب المحبّ

يحفظ الطريق جيدا

طريق يافا." ص41.

ويستذكر أمّهات الشّهداء فيقول:

"أمّ الشّهيد تبكي بصمت

 كلما انفض من حولها المعزّون

..............................

ماذا ستفعل بهذا الوطن دون قلبها" ص82.

والشّاعر لا يطيق فراق الحبيب حيث يقول:

"ميت يجوب الطّرقات

بساقين رخوتين وهامة مكسورة

هكذا أنا في غيابك" ص100.

وكتب عبدالله دعيس:

يبدأ الشاعر ماجد أبو غوش ديوانه بمجموعة من النصوص التي لا تحمل عنوانا، لكنّها تحدّد ماهيّة الكتاب، وترسم سمتا واضحا للمشاعر والأفكار التي سيبثّها للقارئ على مدى الصفحات المتتابعة. فهو يستهلّ ديوانه بإعلان صريح أنّه عاد من رحلة التيه، ووجد ضالّته في كلمة واحدة ملأت قلبه، ألا وهي الحبّ، الذي أصبح قَدَره الذي لا يمكن أن يحيد عنه. وبيّن أن الكتابة عن الحبّ ترهقه، فهو كمن يطحن الغابات ليصنع ورقا يخطّ عليه بمداد من دمه، وربما في ذلك إشارة إلى بُعد الواقع عن معنى الحبّ، وصعوبة أن يتخذ المرء الحبّ منهاجا في عصر سادت فيه الكراهيّة والظلم والنّفاق. ومع هذا الجهد وتلك الصعوبة، فهو لا يتخلّف عن الكتابة، ولا يفتأ يذكر الحبّ سطرا بعد سطر وصفحة بعد صفحه، وكأنّه يستخلص هذه الكلمات القليلة الموزعة على الصفحات من أعماق قلبه الدامي.

لكن أيّ حبّ هذا الذي يتحدّث عنه الشاعر، وهو لم يذكر أنثى في ديوانه، سوى يافا والغزالة والملكات؟ ويكرّر كلمة الحب مرّة بعد مرّة، في كلّ سطر وفي كلّ صفحة، ويؤكد مرة بعد أخرى أنّ هذا الحبّ، الذي هو هوى الملكات، إنّما هو من طرف واحد. إذن فهو حبّ صعب المنال، هو حبّ فيه توق للمعالي ونظرة إلى المحال، وخوض للصعاب، فهو ليس أيّ حبّ ولا هوى. ومن يتوق لهوى الملكات سوى نفس استشرفت لمعالي الأمور وتركت السفاسف والخلود للراحة؟ فلا عجب أن يكون هذا الحب مدعاة للألم والشقاء أحيانا.

يقف الشاعر على شفير جرف من المتناقضات، عندما يستعرض مشاعره نحو هوى الملكات، فالحب مؤلم لكن لا يمكن التوقف عن ممارسته، وهو يُعلّم الطيران ويجلب السعادة، وفي الوقت ذاته حقل من الألغام. ويُلحق الكاتب بعنوان ديوانه عبارة (نصوص الحبّ والغياب)، فهل الغياب قرين الحبّ؟ وهل الغياب يؤجّج مشاعر الحبّ؟ وهل الألفة تنسف ما يبنى الشعراء من قصور العشق؟ وهل نعيش حالة من الغياب والضياع لا خروج منها إلا بالعزف على أوتار الحبّ؟

ونلاحظ خلال الديوان تكرار بعض الكلمات، مثل كلمة الحبّ التي تتكرّر عشرات المرّات، وكلمة ذئب وذئاب وعواء وغزالة وعسل الملكات. فالشاعر يعشق العلياء المتمثّلة في صورة الملكات، ويرى الذئب رمزا للقوّة والجسارة، وعواؤه هو أعلان صريح لحبّه ولإصراره على الوصول إلى هدفه. ولكن لو وصل هذا الذئب إلى تلك الملكة، هل سيعيش معها لحظات السعادة والهناء، وهل سيلعق عسلها، أم سيفترسها كما يفترس الغزالة؟ وهل الملكة هي الغزالة عينها؟ وهل ستصدّق الغزالة أن الذئاب تحبّ؟ وهل وجود الذئب العاشق الذي يتكرّر عواؤه وهو رافع أنفه شامخا نحو عسل الملكات، هو رمز لقوّة الرجل، وربما لضعف المرأة، حتّى ولو كانت محاطة بعنفوان المُلك؟ وهل هناك ملكة أعزّ من يافا؟ وهل هناك ذئب أقوى من ذاك الذي يبحث عن وطنه السّليب بقلب مفعم بالعشق والجراح؟ وهل يافا غزالة جريحة تئنّ من غدر الذئاب، أم تنتظر ذئبها الذي سيملأ أرجاءها بالعواء؟

كل هذه التساؤلات وغيرها تدور في ذهن القارئ وهو يستطلع الكلمات القليلة المبثوثة على الأسطر. وإن كان الشاعر لا يسهب في رسم الصور الشعريّة ولا اختيار الكلمات الرنّانة ولا الموسيقى، إلّا أن مجموع نصوصه تأخذ القارئ إلى عالم آخر، تتكرّر على مسامعه الكلمات، حتّى يخالها شخوصا أمامه، ويرسم في خياله صورا لم يرسمها الشاعر على صفحاته. فحيث تغيب الصور والموسيقى التي تميّز الشّعر، تتولّد حالة من الصور الذهنيّة لدى المتلقّي وتتحرّك نفسه نحو عالم يضجّ بالموسيقى والألحان.

فالغوص في هذا الكتاب رحلة سلسة سهلة يسيرة، يتقافز فيها القارئ على حروف الكلمات؛ ليمرّ إلى عالم آخر يستقي منه أفكارا ويبدأ يفكّر في عالم الواقع. فهل نعيش الحبّ فعلا؟ وهل سيوصلنا الحبّ إلى عسل الملكات؟ أم ستُفترس الغزالة، وتسكب الملكات عسلها بعيدا؟ وتبدأ الذئاب بالعواء من جديد؟

وقالت هدى خوجا:

      لوحة الغلاف جميلة تتناسب مع المحتوى من حيث المعنى واللحن، تمّ اختيار الزّهرة الصّفراء زهرة الأقحوان( المارجريتا) الّتي يتم زراعتها بالبذور، اللّون المائل إلى البرتقاليّ بتشابه واضح مع أشعة الشّمس اللامعة المضيئة، والألوان تمنحنا معنى السّعادة والأمل والأصفر لون الإبداع والفكروالطّاقة والحرارة، والزهرة والوردة الصّفراء تمثّل السّعادة والغيرة، أي لن تكون لأحدغيري على الإطلاق، أمّا النقطة البرتقاليّة نقطة الارتكاز في الزّهرة فتمثّل رهافة المشاعروالرّقّة، وترتبط مع رقة الفراشة ونقاء الأبيض.

كيف تكتب بطريق الملكات؟

بذبح القلب وغمس ريشة الطّائر في دمّ الشّاعر!

نجد تكرار كلمة الذّئب في ديوان الشّاعر.

" كل ذئب توقّف عن العواء" ص13

"في الحبّ...

الذئاب

تتبع أثر النّبيذ

وعسل الملكات

والذّئاب"ص24

" في الحبّ...

ذئب

يبحث عن متكأ

لقلبه."ص33

    هنالك عدّة متاهات في هوى الملكات؛ والحبّ ومجموعة من الأسئلة السّابرة في عمق هوى الملكات.

ما هو تعريف الحبّ بهوى الملكات؟

" والحبّ أيضا

حقل ألغام وكمائن"ص10

يصاب القلب بالجنون فما فائدة العقل بالحبّ!

ويوجد تناص مع بعض آيات القرآن الكريم مثال "يحيي العظام وهي رميم " ص18

ومع الحديث الشّريف " لا فضل لعربي على أعجميّ إلا بالتّقوى " " لا فضل لمحبّ على محبّ إلا بقدر الشّوق واللهفة" ص20

ومن الأبيات الجميلة" في الحبّ...

أن يكون قلبك

قلبي

فمك

صوتي

وأن تكون عيناك

بحري وقمري

وجمر شوقي "ص22-23

وماذا يعني الحبّ من طرف واحد؟

" في الحبّ من طرف واحد،

أنا لا أعني لك شيئا

وأنت تعنين لي

كل شيء."ص28

وفي حبّ يافا عقد الشّاعرأسماء الحبّ السّحرية ص41

وكلما توغلت في الأبيات أكثر فأكثر لتجد المفاتيح الصّغيرة للسّعادة يافا عيناك واسمك ورائحة البحر وفيروز.

وما عليكم سوى الإبحار في أبيات هوى الملكات لتجد الإجابة

غياب إلى أين ومتى وكم ولماذا؟

وسوم: العدد 767