وقفة مع مقال " دلالات رسوم الأطفال " للكاتب التونسي شاكر بن الهاشمي بنحمودة المنشور بمجلة العربي الكويتية
تضمن العدد 713 من مجلة العربي الكويتية الصادر في أبريل 2018 مقالا للكاتب التونسي شاكر بن الهاشمي بنحمودة مقالا تحت عنوان : " دلالات رسوم الأطفال " وأغراني هذا العنوان بالإقبال على مطالعة هذا المقال ، وبعد الانتهاء من قراءته بدا لي أن أناقش صاحبه فيما ذهب إليه من شرح دلالات رسوم الأطفال .
وقبل الوقفة مع هذا المقال لمناقشة صاحبه ،أقدم أهم ما جاء فيه، والقصد من وراء ذلك أن ينتفع الآباء والأمهات بما جاء فيه أولا ،لأن رسوم الصغار كانت وستبقى دائما تشغل بالهم لأنها رموز يودون معرفة ما تخفيه مما يجول في عوالم صغارهم المضمرة ، والتي ليس من السهل الولوج إليها ، وثانيا للفت أنظارهم إلى ما تفرضه معطيات هذا المقال من أسئلة ملحة .
يقول صاحب المقال : إن الطفل يحول انفعالاته وأحاسيسه إلى ألعاب أو رسوم أو انتاجات أخرى تعبر عن شخصيته ، وقد تكون أحيانا معبرة عن حالات مرضية تستوجب الكشف والمتابعة لمعالجتها .
ويضيف بأنه من المواضيع التي اهتم بها علم نفس الطفل مجال الرسم والإبداع الفني لدى الأطفال ، لأن الرسوم عبارة عن مرآة تعكس عالمهم الباطني وما ينبض به من نزعات ،وعواطف، ومعاناة بسبب انعدام التواصل مع العالم الخارجي ومع الآخر . و يضيف بأن رسوم الأطفال توفر لمن يتفحصها الفرصة للكشف عن الاتزان أو الاضطراب في نفسياتهم .
واستعرض الكاتب بعد ذلك المراحل التي تمر بها رسوم الأطفال حسب أعمارهم وهي كالآتي :
ـ مرحلة التخطيط العشوائي : وتكون إلى غاية سن سنتين من عمر الطفل ، وهي عبارة عن خطوط عشوائية أو خربشات ، وهي رسوم عبثية لكنها معبرة عن انفعالات لا واعية .
ـ مرحلة التخطيط غير المنتظم : وتكون من سنتين إلى أربع سنوات ، وهي عبارة عن خطوط طويلة ودائرية وحلزونية تعكس تحكم الطفل في يديه تدريجيا.
ـ مرحلة التخطيط الرمزي : وتكون من سن خمس إلى ست سنوات ، وهي عبارة عن رسوم لأشياء بسيطة تحاكي عالم الطفل ، يضفي عليها مسحة من خياله ، ولكنها غير مطابقة للواقع .
ـ مرحلة الواقعية الوصفية : وتكون من سن سبع إلى ثمان سنوات ، وهي عبارة عن رسوم تعكس ما يعرفه الطفل لا ما يراه ، وما خزنه في ذاكرته وخياله كأن يكبّر أو يصغّر حجم بعض الموجودات أو يزيد ويحذف منها بعض الأشياء.
ـ مرحلة الواقعية البصرية : وتكون من سن تسع إلى عشر سنوات ، وهي عبارة عن رسوم تعكس المحيط الذي يعيش فيه الطفل ، فيرسم الأشياء بأشكالها أو أحجامها الطبيعية .
ـ مرحلة التعبير الواقعي : وتكون من سن الحادية إلى الثالثة عشرة ، وهي عبارة عن رسوم واضحة المعالم قريبة جدا من الواقع .
ويضيف صاحب المقال بأن الطفل حين يرسم ، فإنه يعبر عن أشياء دفينة تعيش معه ، ويتفاعل معها لا شعوريا ، فتكشف رسومه ولوحاته عن رموز وإشارات إيحائية تدل أحيانا على اضطرابات عاطفية أو صراعات نفسية يعاني منها . ويذكر بعض الدلالات التي تستهلم من رسوم الأطفال منها :
أ ) حجم الرسم :
+ الرسوم الكبيرة تدل على النشاط الزائد للطفل أو على عدوانيته .
+ الرسوم الصغيرة تدل على انطوائية الطفل ، وضعفه ، وقلقه ، وخوفه .
ب ) رسوم الأشخاص :
+ الرأس الكبير : يدل على الاعجاب بالنفس والافتخار .
+ الفم الكبير : يدل على الثرثرة أو العدوانية.
+ العيون الكبيرة : تدل على الفضول ، أو الاحساس بالمراقبة
+ العيون الصغيرة : تدل على الخجل ، وقلة التفاعل مع الآخر، وعدم الرغبة في الاختلاط .
+ العنق الطويل : يدل على الصعوبات في الوصول إلى الرغبات والشعور بالحرمان .
+ انعدام العنق في الرسم : يدل على المعاناة .
+ اليد الطويلة : تدل على الرغبة في التواصل مع الآخر ، وطلب المساعدة .
+ اليد القصيرة : تدل على عدم الشعور بالأمان، وضعف الثقة.
+ جسم بلا يد : يدل على طفل ضعيف وخجول .
ج ) رسوم المنازل :
+ منزل كبير مؤثت : يدل على الانفتاح .
+ منزل بأبواب ونوافذ : يدل على الشعور بالراحة ، والرغبة في التواصل والانفتاح على الآخر.
+ بيت بلا نوافذ : يدل على الانغلاق والإحساس بالفشل .
د) رسوم الطبيعة :
+ شمس كبيرة وواضحة : تدل على علاقة جيدة مع الأب.
+ شمس غير واضحة : تدل على تأزم في العلاقة مع الأب .
+ سماء صافية : تدل على الانسجام والتناغم مع العائلة .
+ شجرة بجذع متين : تدل على الأنا المستقرة لدى الطفل .
+ الأغصان الممتدة : تدل على التطور الإيجابي للطفل داخل محيطه .
ه ) رسوم الحيوانات :
+ حيوانات مفترسة : تدل على قسوة الأب وخوف الطفل منه .
+ العصافير والأسماك : تدل على الشعور بالاطمئنان .
+ القطط والكلاب : تدل على الرغبة في الملاطفة والمداعبة .
و ) الألوان :
+ الأزرق : يرمز إلى الهدوء وعمق المشاعر .
+ الأخضر : يرمز إلى الراحة ، والمرونة ، والحدس.
+ الأحمر : يرمز إلى القوة والغضب والعدوانية .
+ الأصفر : يرمز إلى العفوية ، وحب الاطلاع .
+ البرتقالي : يرمز إلى التواصل الاجتماعي .
+ البنفسجي : يرمز إلى التناقض والتذبذب .
+ الأسود : يرمز إلى السلبية .
+ الوردي : يرمز إلى الرقة والحنان .
+ الرمادي : يرمز إلى الحياد وغياب المشاعر .
إن ما جاء في هذا المقال يفرض طرح مجموعة من الأسئلة الملحة ، والملاحظات وهي كالآتي :
ـ هل المعطيات الواردة في المقال ذات مصداقية علمية ؟ :
ـ هل يصدر صاحب المقال في معطياته عن خبرة بعلم نفس الطفل ؟
ـ هل هذه المعطيات مجرد انطباعات شخصية لصاحب المقال ؟
وواضح أن المعطيات الواردة في هذا المقال تفتقر إلى أدلة مقنعة لتنقلها من مجرد انطباعات شخصية إلى حقائق علمية. وتبدو التفسيرات التي أعطاها صاحب المقال لرسوم الأطفال عبارة عن اسقاطات أو تفسيرات أوتأويلات الكبار لأنشطة الصغار . فكيف يقنعنا صاحب المقال أن دلالة كبر حجم الرسوم هي النقيض المقابل لدلالة صغر هذه الرسوم ؟ وكيف يقنعنا ب حقيقة كل الدلالات التي أعطاها لمختلف رسوم الأطفال ؟ وكيف يقنعنا برمزية الألوان أيضا ؟ وكيف يمكنه أن يوفق بين دلالة الرسوم ، ورمزية الألوان التي تقدم بها حين تكون الرسوم دالة على صفة سلبية، وفي نفس الوقت تقدم بلون يرمز إلى صفة إيجابية كأن يرسم الطفل على سبيل المثال لا الحصر عصافير تدل على الاطمئنان، ويلونها باللون البنفسجي الذي يرمز إلى التذبذب ؟
ومن المعلوم أن ثقافات المجتمعات مختلفة ، ولا يمكن أن يقع إجماع بينها حول دلالات ورموز رسوم الأطفال وألوانها ،فرب لون في ثقافة ما يرمز إلى شيء ما بينما يرمز إلى نقيضه في ثقافة أخرى ، فلماذا ستدل رسوم الحيوانات المفترسة على قسوة الأب وخوف الطفل منه كما جاء في مقال الكاتب ، ولا تدل على قسوة الأم والخوف منها ؟
وفي الأخير ستبقى دلالة رسوم الأطفال مستغلقة على الكبار ، وسرا من أسرار الطفولة المستعصية على الفهم ، ومن يخوض فيها إنما يكون خوضه مجرد تخمينات، أوتأويلات ، أوانطباعات شخصية ، وسيظل هذا الموضوع مطروحا للنقاش طالما رسم الأطفال وأبدعوا.
وسوم: العدد 768