الدّجاجة المذعورة وسيادة القانون
الدجاجة المذعورة قصّة أطفال للكاتبة المقدسيّة نزهة أبو غوش، وهي ضمن سلسلة الحيوانات الصديقة في الحديقة صدرت عن منشورات دار الهدى والنشر كريم ٢٠٠١) في كفر قرع، ترافقها رسومات منار نعيرات، وتقع في تسع وعشرين صفحة وفي غلاف من الورق المقوّى.
بداية لا بدّ من التّنويه بأنّ الأدب الذي يُكتب على لسان الحيوان ليس جديدا على الأدب العربيّ والعالميّ، فهو معروف منذ القدم، ولعلّ كتاب "كليلة ودمنة" الذي ترجمه ابن المقفّع إلى العربيّة من أشهر ما كتب في هذا المجال، وعودة إلى قصّة "الدّجاجة المذعورة" التي نحن بصددها، فالقصّة تتحدّث عن كلب هدّد ديكا يقف متبخترا على سور، ويصيح منبئا بقدوم الصّباح، ومعروف أنّه من طباع الدّيكة أن تصيح عند انبلاج الفجر، وصياحه هذا في الثّقافة الشّعبيّة يشكّل دعوة للإنسان كي يستيقظ استعدادا لبدء يومه العمليّ. لكنّ صياح الدّيك شكّل ازعاجا للكلب الذي أمر الدّيك غاضبا بالنّزول وعدم الصّياح، ممّا أغضب الدّجاجة التي احتجّت على تصرّف الكلب قائلة:" صَوْتُ الدِّيكِ أَجْمَلُ صَوْتٍ بَيْنَ كُلِّ الطُّيُورِ، وَشَكْلُهُ الْمُلَوَّنُ جَمِيلٌ جِدًّا. وَلَوْلَا صًوْتُهُ؛ لَظَلَّتْ كُلُّ الْحَيْوَانَاتِ نَائِمَةً كَسُولَةً." وهنا اعتدى الكلب على الدّجاجة ونتف بعض ريشها، ولولا هروبها بالطّيران والحطّ فوق شجرة لألحق بها أذى كبيرا، وهنا رافقها الدّيك مهدّئا من روعها ورافقها في العودة إلى القنّ، وبسبب صياح الدّيك اجتمعت الحيوانات لبحث ما جرى، واتّخذت عدّة قرارات لردع الكلب معلنة رفضها للعنف الكلاميّ أو الجسديّ، وضرورة معاقبة الكلب –حسب القانون-، وهنا ما عادت الدّجاجة خائفة؛ لأنّ القانون يحميها! في حين هتفت بقيّة الحيوانات:
"يَحْيَا.. يَحْيَا... يَحْيَا الْقَانُونُ".
والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الهدف الذي تتوخّاه الكاتبة من هذه القصّة؟
والجواب هو: أنّها تريد ترسيخ سيادة القانون، الذي يحفظ لكلّ ذي حقّ حقّه مهما كان ضعيفا. لكنّ القصّة حملت في طيّاتها مفاهيم أخرى منها: اعتزاز كلّ جنس حيوانيّ بجنسه، كما شاهدنا الدّجاجة فخورة بجمال شكل الدّيك وجمال صوته.
ويلاحظ أنّ القصّة تحمل هدفا سياسيّا أيضا، فالعلاقات بين الدّول تحكمها القوّة، ويغيب فيها القانون، وحتّى الصّراعات داخل المجتمع الواحد تأخذ أبعادا خطيرة إذا لم تكن السّيادة للقانون في الدّولة. وقد لاحظنا في القصّة الفيل وهو من الحيوانات القويّة كيف التزم الحياد، " وَقَفَ الْفِيلُ وَسَطَ الْحَدِيقَةِ مُحَايِدًا، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا؛ لكنَّهُ هَزَّ ذَيْلَهُ، وَخُرْطُومَهُ." وفي تقديري أنّ هذا يحمل في طيّاته عتيا ولومًا للدّول العظمى التي تتغاضى عن الصّراعات بين الدّول الضّعيفة، ولا تحاول إيقافها من خلال حماية القانون الدّولي وتطبيقه.
ويؤخذ على القصّة أنّها ترسّخ العقليّة الذّكوريّة في ذهن الأطفال الذين يقرأونها، ويلاحظ ذلك من خلال مرافقة الدّيك للدّجاجة أثناء عودتها إلى القنّ، وكأنّها عادت في حمايته، علما أنّه لا هو ولا هي قادران على مواجهة الكلب، كما يلاحظ أنّ الدّيك هو من تكلّم طارحا قضيّته وقضيّة الدّجاجة أمام الحيوانات الأخرى :" هَزَّ الدِّيكُ عُرْفَهُ الْأَحْمَر، وَقَالَ: أَنَا شَخْصِيًّا، أُرِيدُ حَقَّيَ كَامِلًا مِنَ الْكَلْبِ (فُوكْسِي)، وَحَقَّ الدَّجَاجَةِ الْحَمْراءَ." فهل الدّجاجة عاجزة عن قول ذلك؟
وهناك ملاحظة لغوية أخرى، فقد ورد في القصّة:" مَدَّ الدِّيْكُ يَدَهُ حاَمِلًا الرِّيشَاتِ الْخّمْسِ" والصّحيح هو الخمسةَ بالنّصب؛ لأنّها صفة للرّيشات المنصوبة بالكسر نيابة عن النّصب لأنّها مفعول به، والصّفة تطابق الموصوف في جنسه وإعرابه.
وسوم: العدد 804