الرؤية عند الأديب المسلم !!
بادئ ذي بدء نقول : إن الرؤية الإسلامية – كما نتصورها – لا بد فيها من أربعة أمور :
أولها : الفهم الواعي لدور الإسلام في الحياة .
و ثانيها : معرفة التيارات الوافدة قديما و حديثا .
و ثالثها : الاهتمام بقضايا المسلمين .
و رابعها : الالتزام الذي ينبع من الإيمان العميق .
و ثمة سؤال : هل الرؤية هذه مجرد عاطفة تنطلق في المناسبات ؟ أم هي عملية تقويمية تنطلق من خلال الإسلام ، و تنظر بمنظاره ؛ فتخطئ و تصوب و تمجد ؟
إن مما تمتاز به الرؤية عند الأديب المسلم أنها منطلق مبدئي ، و التزام أخلاقي . فهي ليست – على سبيل المثال – بكاء على المظلومين ، و لا دعوة إلى إنصاف المحرومين ؛ ثم البحث عن حياة خاصة ، و لو كانت في بروج الظالمين .
و هي رؤية تتسم بالصدق مع النفس و الواقع ، و حب الخير ، والإيمان باستمرار الصراع بين الحق و الباطل ، و انتصار الحق أخيرا ، و الأخذ بالأسباب ، و الحنين إلى الماضي المجيد و استلهامه ، و الإفادة من تجاربه.
و هي ليست موقفا انعزاليا ، و لكنها مخالطة و معاناة و إحساس بما يجري، و محاولة جادة لتوجيهه و تقويمه .
وهي إيمان بالحل الإسلامي لقضايا الحياة و الإنسان ، و قد أثبتت التجارب أن الإسلام هو الحل ، بعد أن أخفقت كل الحلول المستوردة .
و هي أخذ بالمنظار الإيماني في التعامل مع المدنية الوافدة ، فتأخذ منها و تدع بما يتوافق مع مقتضى هذا الإيمان . و هي ليست نظرة قطرية تعنى بقطر دون آخر ، فحيثما حل المسلمون فثمة الهم .
و هي بالنسبة للماضي ؛ ليست مجرد نظرة إلى تراث مجيد ، و لكن تراث لجيل فريد ، و التعمق في تجارب الذين اتبعوهم بإحسان ، فاقتربوا أو ابتعدوا عن المنهج بحسب التزامهم به .
و هي ليست إعجابا بفرد ، و إن كانت البطولة في التعالي على ضروريات الحياة و قمع هوى النفس مما يهز الوجدان المسلم ، ولا إعجابا بتجربة ، ثم الوقوف عندها ، دون مقارنة لها بما عند الآخر .
و هي بالنسبة للحاضر ؛ تتمثل في الدعوة إلى الالتزام بالإسلام ، و تقديمه منهجا للحياة ، و تتبين أحقية هذا الدين في حكم الحياة و سياسة المجتمع .
ثم هي لفت لأنظار الغافلين إلى المآسي التي يجرها البعد عن الإسلام . و ذلك بتقديم صور للمآسي المعاصرة ، و توضيح لتداعي الأعداء على مختلف توجهاتهم ضد المسلمين .
و هي بالنسبة للمستقبل ؛ تتمثل في يقين الأديب المسلم أن المستقبل لهذا الدين ، و في النظرة المتفائلة لما ستؤول إليه نتيجة الصراع مع الباطل ، و أن تجارب التاريخ البعيد والقريب تؤكد أن المستقبل للإسلام ؛ وهي بذلك موقف استشراقي للآتي .
و إذا قلنا في البداية بأنها : ليست عاطفة ، و لا حديثا عن المناسبات، فليس معنى ذلك أن ننفيهما ، و لكن قصدنا أن العاطفة وحدها لا تكفي، و أن الحديث عن المناسبات دون استلهامها لا يؤدي المقصود . مع يقيننا بأن العاطفة من أخص خصائص العمل الأدبي ، و أن الذين ينقطعون عن تاريخهم يعيشون غراسا ليس لها جذور ، منبتة في أرض من الرمال .
وسوم: العدد 815