تشريح التغريدات
إذا اشتغلنا بتغريدات علي عكور (@alakOOrali)، في شهر يوليو من هذا العام الميلادي ٢٠١٩، دون غيرها، فتجاوزنا ما أعاده أو لم يبُح فيه بخواطر نفسه- اجتمعت لنا سبع وخمسون تغريدة بسبع وثلاثين وثمانمئة كلمة، ليكون متوسط ما في التغريدة الواحدة خمس عشرة كلمة بأربعة وثمانين حرفا، ويصدُق ما قدّرناه من أن ما تعوَّده كُتّاب تويتر في أحد عشر عاما (٢٠٠٦-٢٠١٧)، من الإيجاز، لا يتحوّلون عنه في عامين (٢٠١٨-٢٠١٩)!
فمن أمثلة ما كان منها دون المتوسط:
1) الليل دائما، في صفّك!
2) أعرفُ يدًا
بالمصافحة فقط
تدسُّ الحنين
في جيبي
3) الباب
للدخول
في فكرة البيت
النافذة
للاطمئنان
أن الخارج
على بعد نظرة
ومن أمثلة ما كان منها في المتوسط:
4) أعرف أن واحدا يشبهني، يسير معي ويعبث بخطاي، لكن ليس بالصفاقة التي تعكسها الممرات الزجاجية.
5) إنه لجهدٌ عظيم، لرجلٍ بلا مواهب أن يمضي باليومِ إلى آخره، دونَ أخطاء في الأداء.
6) لماذا
لا يدفنونك
من المرة الأولى؟
لماذا دائما
نحتاج إلى حبلٍ وكرسي
ومشهدٍ رديءٍ كهذا !
ومن أمثلة ما كان منها فوق المتوسط:
7) تسمو بمعنى الحبّ
حتى لا مدى
إلاّ تكشّفَ
عن ذهولِ الرائي
فيضٌ سماويٌّ
وسرٌّ صاعدٌ
بالظامئينِ لآخرِ الأنداءِ
8) بدأنا نزهتنا من عند الفم. حيث تأملنا النضجَ في خيرِ مواسمه. ثم صعدنا قليلا إلى أعلى، وبنصفِ دورة شهدنا كيف نُحِتَ الأنفُ بدقةٍ تجلّ عن الوصف. أكملنا الصعود بأنفاسٍ لاهثة. على ضفافِ إحدى العينين جلسنا، ويُقالُ أننا .. فُقِدنا هناك.
9) في البدء سملوا عينيّ المنطق، فصرت أمسك يده وأقوده، خشية أن يدهسه سائق طائش، أو أن يقع في حفرةٍ ما، لا سيّما وأن الجدل والمغالطات كثرت هذه الأيام. لاحقا، في منتصفِ جدلٍ بيزنطيّ بتروا ساقيه، فبتّ أحمله على ظهري، وصار منطقيا أن أحدودبَ أسرع من الآخرين.
لقد درَّجت الأمثلة السابقة، من أقصر التغريدات (ذات أربع الكلمات)، إلى أطولها (ذات الست والأربعين كلمة)، وحرصت على رسمها كما وجدتُّها (نَسْخِها) -مهما كان رأيي في رسائلها وأساليبها وهيئات إملائها وتشكيلها وترقيمها!- ولعل من قرائها من يظن بالموزَّعة الكلمات منها ما ليس بالمجمَّعتها –وهذه تسع وعشرون تغريدة، وتلك ثمان وعشرون؛ على سواء- حتى إذا فرغ من تأملها لم يجد إلا حرص الكاتب على توجيه القارئ وتنبيهه، خوفا من تجميع الكلمات التي لا تكفي في سياستها أحيانا علاماتُ الترقيم، ولم يَصرِفه عن هذا الذي وَجَدَهُ اتزانُ التغريدة السابعة وحدها، بيتين عموديَّين كامليَّي الوزن وافيين همزيَّي القافية المكسورة المردفة بالألف الموصولة بالياء!
تلك تسع تغريدات فنية أدبية، انفردت بأربع منها جملةٌ واحدة (اسمية: 1، 3، 5، أو فعلية: 2)، وباثنتين جملتان فعليتان (4، 6)، وبواحدة ثلاثُ جملٍ إحداها فعليةٌ (7)، وبواحدة أخرى أربعُ جملٍ فعلية (8)، وبواحدة أخيرة خمسُ جملٍ فعلية (9). واجتمعت فيها ضمائر التكلم المعروفة بالبوح الشعري (2، 4، 8، 9)، وضمائر الخطاب المعروفة بالنزاع المسرحي (1، 7)، وضمائر الغيبة المعروفة بالحنين القصصي (3، 5) -والأسماء الظاهرة في التحليل اللغوي بمنزلة ضمائر الغيبة- والتبست؛ فاقتحمت ضمائرُ التكلم على ضمائر الغيبة (8، 9)، وضمائرُ الخطاب على ضمائر التكلم (1، 7)، حتى أفضينا إلى نمط من الكتابة -يمكننا الآن أن نسميه "التَّغْرِيد"- تتضافر فيه طاقات المشاهدة اليومية والمكاشفة الذهنية والمباغتة الأسلوبية جميعا معا: تتوارد على حواسّ الكاتب كلِّها أحداثُ يومه المختلفةُ؛ فلا يأبه لها كثيرةً أو قليلةً حتى ينعكس بها على مرآة ذهنه وعيٌ خاص؛ فلا يأبه له حتى تستفزه عبارته الخاصة؛ فيثبتها من فوره، وربما أحاطها من أمامها أو من خلفها أو من حولها، بما يَجلوها ويَحفزها ويُنفِذها.
وسوم: العدد 836