سيرة الكاتب السلحوت زهرة من بين الصخور
صدر كتاب "من بين الصخور-مرحلة عشتها" للكاتب جميل السلحوت عام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، ويقع الكتاب الذي يحمل غلافه الأوّل لوحة للفنان التشكيليّ محمد نصرالله في 260 من الحجم المتوسط، وصمّمه وأخرجه شربل الياس.
من بين الصخور سيرة ذاتية للكاتب المقدسي جميل السلحوت، سيرة حفرت الصخر لتطلق الزهور؛ لتفجر ينابيع متنوعة منها العذب ومنها العلقم..
منها أحداث قاسية ومنها أحداث مشرقة ومشرفة، بين دفتي الكتاب تجد الجديد المثير، تجد الضالة التي تبحث عنها.
عندما يكتب السلحوت الذي نشأ في بيئة شبيهة بالبادية في عاداتها وتقاليدها وشهامتها وأصالتها وصلابة تربتها، عندما يكتب صحفي ناقد باحث صاحب نظرة ثاقبة نظرة موضوعية، عندما يكتب مفكر يعيش اللحظة، عندما يكتب أديب لديه انتماء للوطن والمواطن، في الوطن فلسطين خاصّة وفي الوطن العربي عامة، اعرف أنّك امام كتاب سيرة ذاتية متشعبة. لها روافد، كل رافد من الروافد ينبع من مكان مختلف، وتلتقي الروافد في نهر السيرة .
حياة زاخرة وزاهرة. صدق المشاعر والرّضا عن الذّات والتّحدي . جمال الوصف وسلاسة السّرد جذبتني للسّيرة.
بداية السيّرة كتب الكاتب عن مرحلة حسّاسة من تاريخ القضية الفلسطينية عاشها وعايشها، تحدث من زوايا تطرح لأوّل مرّة . تحدث عن الطلبة في العام 1967، هو ابن القدس وعانى ما عاناه طلبة "التّوجيهي"المقدسيون في الحرب بمصداقية عالية، أيّ شخص يقرأ السّيرة سيعرف مدى صدق ومصداقيّة الكاتب. أحداث وشخصيات وأماكن تؤكد الحدث، لم يجمّل الأحداث لكنّه أنطقها بغلاف جميل . قدم لنا الجاذب والمثير.
عندما قرأت السّيرة ربطت الأسلوب بأسلوب بعض الأفلام السّينمائيّة العالميّة التي كنت أشاهدها، ويكون فيها راوٍ وحصلت على جوائز عالمية.
سيرة الاديب السلحوت خرجت من الخاصّ إلى العامّ، لم يتحدث الكاتب بشكل خاصّ في كتابه، بل أشار إلى جماليات كثيرة، إلى صور ممتعة في الغرب والشرق.
في هذه السيرة بوح عن مشاعر جيّاشة عبر من خلالها عن مشاعر الألم والحسرة والحزن الشديد على فقدان الوطن، روح ثائرة ينبض بها قلم الكاتب .
في كلّ مرحلة من مراحل حياة الكاتب هناك عبرة هناك ودرس، فهو مثال للشّابّ المجتهد المكبل بالسّلاسل، هو صقر داخل قفص .
الكاتب متمرد بعقلانيةن حكمة وجدتها في السّيرة أثارت إعجابي، عندما وجد الكاتب نفسه في حيرة بين مغادرة الوطن لمواصلة تعليمة الجامعي، أو البقاء في الوطن.اختار البقاء بالوطن. والحكمة ( أن تكون في قفص لا أبواب له خير من أن تصبح مشردا)، وما أكثر المشردين الذين تركوا أوطانهم إمّا قصرا أو طوعا.
ياليت المهاجرين من الوطن كانت لديهم تلك الرؤية الذكية قبل الهجرة والهروب والتشتت في أصقاع العالم.
في السيرة الذاتية طرح معاناة طلبة المدارس والعمال. فتح ملفات التعيينات وكيف كانت تتمّ. أخرج الملفات من الأدراج المغلقة .
في صفحة (26) صورة مؤلمة جدا، وصف الكاتب الظروف القاسية التي تعرض لها في معتقل ( المسكوبية) 13 يوم . تعذيب ومعاناة .
وفي ص (43) وصف المعاناة على جسر اللنبي لمن يريدون زيارة الأردنّ، وصورة المسنين الذين يعانون من سلس البول ومعاناتهم في طوابير الانتظار الحدوديّة عند حواجز الاحتلال.
وصف صورة مشرقة للعلاقة الأخوية التي تربط الشعب الفلسطيني والشعب الأردني.
اعجبني في السّيرة التّطرّق للشّخصيّات التي مرّت في حياة الكاتب، الشخصيات التي تركت أثرا في حياته.
تحدث الكاتب في السيرة عن العمال، أثار السّخط في قلبي عندما تحدث عن عامل البلاط وسوء معاملة صاحب الكراج له. صورة قاتمة ولكنّها للأسف الشّديد تتكرّر. أعجبتني طريقة الكاتب في الثّأر لكرامته في تلك الحادثة ( جووووول ) يحيا الذكاء.
الأديب السلحوت خير مدافع عن الحقّ وعن المظلومين. شخصية الكاتب شخصيّة عامّة وليست خاصّة.
بلاد العرب أوطاني فقد تحدث عن عواصم عربية زارها ومشاهداته فيها. تحدّث عن دمشق وبيروت والقاهرة والرّياض والجزائر. كتب عن دول غربية زارها. كتب عن قبرص وعن موسكو وعن بعض الولايات الأمريكيّة وأبدع بالوصف . أحداث متلاحقة متسلسلة جميلة.
أيّ قاريء لكتاب السلحوت مهما كانت جنسيته سيجد الفائدة. في السيرة مسيرة حياة مفعمة بالمحبّة والعطاء والانتماء. رسالة تؤكد على عدالة القضيّة والإيمان بالحق في العيش بكرامة وحرّيّة على هذه الارض .
نهاية السّيرة مثيرة عندما ختم السيرة بمقولة المترجم الرّوسي ( فيكتور) عندما قالك
السياحة ليست كالإقامة .
وسوم: العدد 851