الخاصرة الرخوة رواية تعكس الواقع
صدرت رواية "الخاصرة الرّخوة" للأديب المقدسي جميل السلحوت أواخر العام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية التي صمّمها ومنتتجها شربل الياس في 260 صفحة من الحجم المتوسّط. الخاصرة الرخوة رواية كتبت بأسلوب سلس مشوق ولغه سهلة، وما هي إلا مرآة تعكس العديد من قضايا العنف ضد المرأة في مجتمعنا العربي عامة والفلسطيني بشكل خاص. بعض هذه القضايا تم سردها في الرواية من خلال شخوص (من وحي الكاتب) وبعض من الحكايا التي يتردد صداها في البلدان العربية، والتي عبرت بدورها عن الواقع المأساوي الذي تعيشه المرأة العربية المهمشة حتى يومنا هذا، تحت سطوة العقلية الذكورية وبعض العادات والتقاليد الموروثة من العصر الجاهلي، يدور محور هذه الحكايا التي وردت في الرواية حول قصة زواج كل من (جمانة وأسامة) (صابرين ويونس)( عائشه وزياد)، وجوهر الاختلاف بين كل منها والتي باءت جميعها بالفشل ومن ثم الطلاق، فعلى سبيل المثال قصة زواج جمانة وأسامة والتي انتهت بطلب الطلاق من قبل جمانة التي أنهت دراستها الجامعية، وهي البنت الكبرى لوالد جمانة (عيسى الحماد) المهجرين قسرا من الداخل المحتل، والذي رزق بخمس بنات، وأفنى حياته كلها في تربيتهن والحرص على تعليمهن. جمانة شابة تربت على خلق وكانت محبة للعلم والمطالعة، وطموحها العمل بعد إنهاء دراستها الجامعية لمساعدة والديها ماديا، إلا أنّ أباها هو من اختار لها الشاب أسامة الذي وجد فيه الزوج المناسب لجمانة، ملغيا بذلك قرار ابنته الشخصي بهذا الشأن، في فترة الخطوبة .ص77 فرض أسامة على خطيبته جمانة وضع النقاب، فقال لها ( أنت الآن زوجتي وملك يميني )، جمانه لم توافق على قراره هذا فقامت بالبحث عن موضوع النقاب .ص80 في كتابات الأئمة مالك، الشافعي، وأبو حنيفة حيث لم يطلب فيها من المرأة المسلمة وضع النقاب، على خلاف خطيبها أسامة المتأثر بكتابات ابن عثيمين وابن باز وغيرهما ممّن يطالبون بوضع النقاب، إلا أنّ (جمانة) رأت في ذلك فكرا تكفيريا وأنّ أسامة متأثر بهم. جمانة كانت تنوّع في مطالعتها للكتب فقد تأثرت . ص94، 96 بالكاتب التشيكي اليهودي (كافاكا) وخصوصا روايته القلعة، والتي شكلت صدمة فكرية إيجابية لجمانة، (فبطل الرواية هنا يحاول أن يجتمع مع السلطات الغامضة التي تحكم قريته، تلك السلطات التي تتحكم برقاب مجتمعاتنا العربية، وفي مقدمتها الخرافات والعادات والتقاليد الوحشية الموروثة من الجاهلية) . ص 98. اعتراض أسامة على هذا الروائي كونه يهودي ..وهنا ردت عليه جمانة( عداؤنا ليس مع اليهود كيهود، فهم أصحاب ديانة سماوية، وإنما عداؤنا مع الحركة الصهيونية كحركة استيطانية عنصرية) ص 98. اعتراض أسامه على قراءة جمانة القصص والروايات كونها -حسب رأيه-"خطيئة لأنها من الخيال والخيال شيء لا يحاكي الواقع فهو كذب والكذب حرام". وكان رد جمانة على ذلك أنّ كتاب الله فيه قصص، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمع الشعر ويطرب له، فالمطالعة غذاء للعقل وزيادة في المعلومات. كثيرة هي الخلافات التي كانت قائمة بين جمانة وأسامة، إلا أنّ جمانة أطاعت زوجها كما يريد، والذي بدوره فرض عليها الكثير من الأمور بعد زواجهما وانتقالهما للعيش في السعودية، فالسكن كان بائسا بحجة جمع المال إلى حين العودة إلى أرض الوطن .. ص 246، 249. منعها من أن تتقدم بطلب عمل في مدرسة وإن كانت للبنات، كما منعها من مخالطة الجيران والناس وفتح النوافذ، لم يحضر لها تلفازا ولا مذياعا ولا هاتفا، حيث اعتبرها حراما ومخالفة للشرع والدين، حتى وقت المخاض وتعسر ولادتها أحضر لها قابلة شعبية لمساعدتها ولم يرسلها إلى مستشفى حتى لا يكشف عليها أطباء ذكور. كما منعها من الاحتفال بعيد ميلاد ابنهما البكر لأنه يعتبر ذلك تقليدا للكفار. ومنع الغناء والرقص في حفلة زواجه لنفس الأسباب، عاشت جمانة أسيره بين أربعة جدران قرابة السنتين، تحت غطرسة زوجها الذي اعتبرها دمية يلهو بها متى يشاء. وكانت حياتها كالجحيم مع ذاك الزوج المتشدد دينيا، ويرفض أسلوب الحوار والنقاش، سلطوي متفرد بالحكم والقرارات، بينما كان في نفس الوقت ذليلا ضعيفا أمام والدته (فاطمة) سليطة اللسان، والتي كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيره في تفاصيل الحياة الزوجية لابنها أسامة، من منطلق طاعة الوالدين. عندما عادا إلى أرض الوطن، وأثناء زيارة جمانه لأهلها، هناك ولأوّل مرة اتخذت قرارها بنفسها بعدم الرجوع إليه، وطلبت الطلاق ص230-246. أمّا عن قصة زواج (صابرين ويونس الذهبي) والاختلاف بينهما وبين جمانة وأسامة من حيث نهج وأسلوب الحياة، واختلاف العقليات ما بين عقلية متشددة مغلقة "أسامة" وأخرى منفتحة تغريبية دون ارتكاز على مبدأ ثقافي ولا علمي ولا إنساني المتمثلة بشخصية(يونس)، فبالرغم من الاختلاف بين الشخصيتين، إلا أنّ كليهما كانا مستبدان لا يحترمان مكانة المرأة، ولا إنسانيتها ولا حقوقها، كلاهما كانا يمارسان أبشع أنواع الظلم والإجحاف بحق الزوجة، كل منهما بطريقته الفكرية الخاصة. يونس الذهبي بفكره التّغريبي طلب من صابرين أن تخلع حجابها، ومارس معها علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج، وعندما حملت منه اضطر أن يتزوجها، وحين أنجبت منه مولودتها أرسل لها (ورقة الطلاق) وهي في زياره لبيت والدها(وهو عم أسامه) والذي توفي في صباحية زواج ابنته صابرين اإثر ذبحة صدرية، بسبب ما رآه من محظورات لم يعهدها وسط محيطه التقليدي الملتزم خلال حفل زفاف ابنت صابرين، فعائلة صابرين تقليدية ملتزمة دينيا عكس عائلة يونس ابن رجل الأعمال الثري المتحررة التغريبية. وكان يونس يقيم العديد من العلاقات غير الشرعية حتى خلال زواجه من صابرين غير المتزنة، والتي خدعت به وبممارساته للعديد من الأمور الدونية اللا أخلاقية ص 104-110. أمّا عن القصة الثالثة الذي أتى بها الراوي فهي قصة زواج ( عائشه وزياد )،عائشة بنت الخمسة عشر عاما التي تزوجت من زياد وطلقها ظلما بعد ثلاث أشهر، بناء على نصيحة المختار وإمام المسجد "سترا للفضيحة! انتشرت قصة عائشة في القرية والتي تبين بعد مرور ثلاث سنوات أنها ظلمت من قبل زوجها زياد وأهله وسكان القرية بسب تفشي الجهل العلمي، وذلك بعد أن تزوجها من بعد طلاقها من زياد رجل من مكان بعيد ويكبرها بخمسة وعشرين عاما، وكانت هي بنت الثمانية عشر عاما، حيث تعسرت ولادتها بسب ما كشفته الطبيبة (علميا) أن عائشة لا تزال تحتفظ بعذريتها، ولم تتمكن من الولادة إلا بعد قيام الطبيبة باستئذان زوج عائشة ووالدتها بضرورة شرط الغشاء (من النوع المطاطي) لتسهيل الولادة، الأمر الذي استدعى والدة عائشة -التي أخذت تهلل وتكبر بشكل هستيري- بأن تستدعي زوجها الذي شك بابنته ظلما، ومختار القرية وإمام المسجد؛ ليسمعوا ذلك التقرير من الطبيبة؛ لتثبت لهم وللجميع ظلمهم المجحف بحق ابنتها عائشة البريئة، التي طلقت ظلما ص 124 ( فطلاق المرأه في مجتمعنا يبقى لعنة تطاردها، ولا أحد يرحم المطلقة بغض النظر عن أسباب طلاقها، سواء كانت ظالمة أو مظلومة ص126. فالمرأة خاصرة المجتمع الرخوة "الخاصرة الرخوة" والذي هو العنوان اللافت للرواية، والذي يلامس واقع المرأة الهش والمهمش في مجتمعنا العربي. قضايا عديدة وشائكه سلط عليها الكاتب من خلال روايته، تلك القضايا المتعلقة بشؤن المرأة التي لا تزال مهمشة في مجتمعنا العربي، والتي يمارس ضدها أبشع وأقسى أنواع الظلم والإجحاف بحقها، وبإنسانيتها ومكانتها من قبل الثقافة الذكورية السائدة بسطوتها الوحشية الموروثة من أيام الجاهلية، والتمسك بعادات وتقاليد وخرافات عفا عليها الزمن ... ولا تزال تسيطر عل عقل الانسان العربي الذي لم يتحرر منها حتى يومنا هذا.
وسوم: العدد 857