رحلة القمر والأمل المنشود
عن دار إلياحور للنشر والتوزيع في أبو ديس-القدس صدر عام 2019 كتاب "رحلة القمر: للكاتبة المقدسية الشّابّة قمر منى. ويقع في 130 صفحة من الحجم المتوسّط.
(رحلة القمر) عنوان يطالعه القارئ؛ فيدرك أنّه سيركب أمواج الكلمات، في رحلة عبر صفحات الكتاب، ويتساءل: هل ستكون رحلة صعبة؟ فبلوغ القمر صعب المنال، لكنّه أقصى ما حققته البشريّة. أمّ أنّها رحلة إلى الجمال؟ فالقمر رمز الجمال لدى الشّعراء والعشّاق. أم ستكون رحلة القمر نفسه بين شروق وغروب، وعبر الشهر من محاق إلى هلال فبدر ثمّ عودة إلى الخفاء؟ ألا يمثّل هذا رحلة الإنسان في حياته؟ ساعة فرح ومسرّة وساعات شقاء، ورحلة من الطفولة إلى الشباب فالشيخوخة والفناء. وعندما يطالع القارئ عناوين النّصوص التي تبدأ بِـــ (بداية الرّحلة) وتنتهي بِـ (نهاية الرّحلة) يدرك أنّه سيسافر مع كلمات يحدوها الأمل، وتقودها العزيمة التي تتغلب على المصاعب، لكنّها تتعرقل عندما تطلّ معاني العشق، فيكسوها اليأس والتّردد والإحجام.
تبدأ الكاتبة رحلتها سريعة متهوّرة غير متأنّية، وسرعان ما تكتشف العوائق التي تحول بينها وبين الأهداف العظيمة التي وضعتها لنفسها، لكنّ هذه المصاعب لا تفتّ في عضدها، ولا تمنعها من مواصلة المسير. ثمّ تبدو الكاتبة موضوعية، ترى هدفا بعيدا أمام ناظريها وتدرك صعوبة الطريق، فلا يدفعها ذلك للتوقف، إلا للتساءل إن كانت أحلامها وأهدافها العالية ستقودها إلى التّعاسة عندما تراها تتحطّم أمام ناظريها. لكنّها لا تبدو مستعدة لخفض سقف أحلامها من أجل أن تتجنّب وعثاء الطريق.
لغة الكاتبة بسيطة ومباشرة في كثير من الأحيان، دون جنوح إلى الغموض أو الصور البيانيّة، على عكس كتابات كثير من الشّبان التي تتسم بالغموض، فيضيع المعنى في خضم الصور والكلمات. وفي معظم النّصوص تستخدم الكاتبة ضمير المتكلّم، فتعبّر عما يجول في خاطرها بعفوية دون مواربة، وهذا قد يفسّر، وإن كان لا يبرّر، الكمّ الكبير من الأخطاء اللغويّة والإملائيّة في نصوصها، فيبدو أنّ الكاتبة ترسل نفسها على سجيّتها ولا تتوقف حتى تنهي الفكرة، وربما لا تعود إليها كيّ لا تؤثّر بها أو تعدّلها.
وتتنوّع الخواطر والنصوص، وتعلو وتهبط لغة ومعنى، ربما حسب حالة الكاتبة النفسيّة حين كتابتها، فتارة نراها تحلّق في سماء التفاؤل والأهداف العالية، وتارة نراها صريعة العقبات واليأس والنّدم. وفي بعض النّصوص تتحوّل الكاتبة الشّابّة إلى حكيم يسدى النصائح بلغ آمرة مباشرة، فتبتعد عن الأسلوب الأدبيّ، خاصّة وهي تكرّر عبارة (إنّي أعلم وأنت لا تعلم).
تظهر الكاتبة قويّة آملة حالمة في نصوصها الأولى، لكنها ما أن تجنح للحديث عن العشق والحبّ، حتّى تبدو ضعيفة مهزوزة يائسة، وهو تناقض واضح بين حياة واقعيّة ناجحة، وبين أحلام ساذجة سرعان ما تتهاوى. والمعشوق في نصوصها غير واضح المعالم، غير معروف الهويّة والصفات. يشعر القارئ أحيانا أنّ عشقها عشق صوفيّ اتحد فيه المحب والمحبوب، وأنّ لوعة العاشقة لا هدف لها إلا التقلّب على أوتار الألم واجترار الخيبة.
يبدو أنّ الكاتبة تمتلك الموهبة وتصرّ على تحقيق أهدافها العالية في عالم الأدب، ولا تبالي بصعوبات الطّريق، وهي بدأت رحلتها نحو هذا القمر اللامع بثقة وبخطوة أولى سريعة وجريئة. لكن لا بدّ لها إن كانت ستواصل الطّريق أن تتنبّه لبعض الهفوات التي يمكن التغلّب عليها بقليل من التّروي والمراجعة: فالكاتبة تحجم عن استخدام علامات التّرقيم، أو تستخدمها بشكل خاطئ يربك القارئ ويضيع المعنى. أخطاؤها اللغوية كثيرة، فهي لا تجزم الفعل المضارع أبدا، وتكتب أحيانا تاء مفتوحة بدل التاء المربوطة، وهذا شنيع. وتعمد الكاتبة أحيانا إلى السجع على حساب المعنى، فيضعف النّص ويضطّرها إلى استخدام كلمات ليست في مكانها. تأمل قولها صفحة 39:
وأن الحرية بابها حديد
ومفتاحها ضائع بالوريد
فكيف يضيع مفتاح الحرية بالوريد؟
رحلة قمر إلى القمر، رحلة لا شكّ مضنية، وطريقها وعرة شائكة، لكنّها تمتلك الكلمة والفكرة والتّصميم والإصرار والمثابرة، فلا شكّ أنّ رحلتها ستقودها هناك، نحو الجمال والنّجاح والتّميّز.
وسوم: العدد 861