قراءة في رواية "المطلّقة"لجميل السلحوت
رواية : (المطلقة)، للأديب المقدسيّ الرّوائي جميل السلحوت، والتي هي الجزء الثاني لروايته التي سبقتها وهي رواية "الخاصرة الرخوة"، واللتان صدرتا هذا العام عن مكتبة كل شيء الحيفاوية.
تقع الرّواية والتي يحمل غلافها لوحة للفنان التّشكيلي محمد نصر الله، في ١٩٢ صفحة من القطع المتوسط، وأخرجها ومنتجها شربل الياس.
قراءتي هذه ليست قراءة نقديّة للرّواية من متخصّص في النّقد، وإنّما لقارىء يحبّ اللغة العربيّة ويعشقها ويستمتع بفنيّة استعمالها بكلّ شكل من أشكال الفن الأدبيّ من رواية وشعر ومقالة ومسرحيّة، واستعمالها كوسيلة تخاطب. وكقارىء عاديّ على جانب لا بأس به من الثّقافة والفهم.
وسأقسم قراءتي هذه إلى ثلاثة أقسام :
-الكاتب.
– العنوان.
- الفحوى.
الكاتب الشيخ جميل السلحوت غنيّ عن التّعريف، ولكنّني أجد من الواجب عليّ أن أنوّه به، فلولاه ما وصلت لنا رواية المطلقة مدار حديثنا اليوم.
الشيخ جميل كاتب شموليّ رائع غزير الإنتاج، كتب للصّغار واليافعين وللكبار، وكتب في أكثر المواضيع التي تهمّ النّاس، من قضايا اجتماعيّة، وتاريخيّة،
وأدب الرّحلات، والسّياسة التى هي خبزنا اليوميّ كفلسطينيين أصحاب قضيّة عادلة، ولا زلنا نقع تحت نير احتلال غاشم لا يرحم، ويحاول بكلّ الوسائل فكفكة مجتمعنا والقضاء على كلّ ترابط بيننا.
لكلّ أمرىء من اسمه ولقبه نصيب كما قيل، وكاتبنا أخذ من اسمه جميل جمال التّعبير، وجمال الأسلوب في كتاباته، والتي تخلو من أي تعقيد او تقعّر في اللغة من المحسنات اللفظيّة، والتّعقيد البلاغيّ، واللجوء إلى الرّمزيّة والإبهام، فهو جميل في بساطته، ولا يجد القارىء في وصول المعلومة والهدف المراد إيصاله إليه أيّ صعوبة، وهذا هو الأسلوب السهل الممتنع، ومن يقرأ كتابات الشيخ جميل، يقرأها دفعة واحدة وبجلسة واحدة لجمال أسلوبه، وكميّة الجذب والتّشويق الذى يولّده، فلا يترك القارىء الكتاب إلا لسبب قاهر وإلا مكرها. كما أنّ روايته خالية من الأخطاء اللغوية أو المطبعية عدا خطأين حصرتهما وأخجل من ذكرهما، لأنّ القارىء يستدركهما بسرعة، ولا يشكّلان تغييرا في المعنى. ولم يستفزّني في كلّ روايته إلا قول أبي مسعود لامرأته : ( اعتزلي مجلسنا يا امرأة )، فقد قذفني بها فجأة الى العصر الجاهليّ وأبي جهل وأبي لهب والحطيئة. رغم كمال فصاحة الجملة لغويّا.
وأمّا لقب الشيخ الذي لصق به من أول حياته، وما هو بشيخ إنّما وكأنّ الأقدار ساقته إليه؛ ليكتب في مواضيع دينيّة واجتماعيّة دخل إليها من الخرافات والخزعبلات وثقافة الجهالة ما شوّه صورها الجميلة، وقتل فيها الإنسانيّة والرّحمة وأوجد نظرات في المجتمع ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها النّظرة للمطلقة موضوع الرّواية؛ ليكون معولا لهدم الضّلال ولإزالة هذه البثور المقيتة التى شوّهت وجه الدين المشرق البهيّ.
أمّا العنوان: المطلقة : فقد كان فيه موفقا، لأنّ الكلمة في حدّ ذاتها تهزّ النّفوس وتولد لدى سماعها مزيجا من المشاعر المختلفة، وغير المستقرّة والمتفاوتة من إنسان لإنسان آخر بحسب ثقافته وعلمه ونظرته مجتمعيّا ودينيّا وأخلاقيّا وإنسانيّا. وليجعل الخاصرة الرّخوة التي رأيناها وقد أصبحت جدارا قويّا يصعب اختراقه، ومن الصّفة والنّظرة السّلبيّة التي كانت تسحب صاحبها لأسفل؛ ليجعل منها رافعة تسمو به به إلى الأعلى، ومن الضّعف إلى القوّة والصّمود.
الفحوى :
رواية ( المطلقة )، رواية اجتماعيّة دينيّة وإنسانيّة بامتياز.
والتي بطلاها مسعود وجمانة. ولكن كونها تكملة لرواية (الخاصرة الرّخوة)، فقد كان الكاتب مجبرا على إدخال قصّة عائشة والتّحول الجنسيّ لمأمون، حشرا في الرّواية، ولو خلت الرّواية الأولى منهما لكان أفضل، فموضوعهما مختلف، وظهر في الرّواية بشكل ثانويّ. وقد قلنا أنّ كاتبنا شموليّ فقد أدخلهما كديكور إضافيّ، كما أدخل في عدة أسطر احتلال يافا وتهجير أهلها والاستيلاء على الممتلكات الفلسطينيّة، في رواية المطلّقة.
استفاد كاتبنا وهو إنسان مميّز ويقبل النّقد رغم عصبيّته المحبّبة أحيانا، فأراه قد اختلف في روايته هذه عن سابقتها اختلافا كبيرا، فقد أتى بالأفكار الدّينيّة البالية وبعض الآراء التي ليست من الدّين في شيء على لسان شخوصه، وظهر كأنّه يخاف من ردّات فعل على نقدها، فكانت عائمة في رواية الخاصرة الرّخوة، في حين نراها واضحة جلية في رواية المطلقة وبقوة ورفض لا يقبل الشك. ورأيت به شجاعة لم أعهدها في كتبه السّابقة كثقافة الجهل وغيرها، فأظهر عوارها ونكأ جراحا طال عليها الأمد حتى تعفّنت.
ومرارا قلت ولا زلت أقول: إن كتاب الله الذي أنزل على خاتم النّبيّين، يكاد يكون بكرا حتى الآن، ولم يُتدبّر حق التدبّر كما أمرنا الله، وإن مرّ في تاريخنا من تدبّر بعضه على استحياء، ولا زلنا نعيش جاهليّتنا وذكوريّتنا حتّى اليوم.
وربما كاتبنا يفاجئنا برواية ثالثة عن حقوق المرأة في الإسلام،حيث تركنا في رواية الخاصرة الرّخوة عند عودة جمانة من غربتها في السّعوديّة، وذهابها الى بيت أهلها، ليبدا معنا رواية المطلّقة، وها هو ينهيها بدراسة جمانة في كلّية الشّريعة لنيل شهادة الماجستير في حقوق المرأة في الإسلام.
مرّة أخرى أشكر الشيخ جميل على كشف عورة المشعوذين والدّجالين الذين يعملون بخبث ودهاء تحت ستار الدّين؛ لتحقيق مآرب دنيويّة دنيئه، ومن تمسّك منهم بأفكار بالية على اعتبار أنّها دين وما هي بدين عن جهل وغباء والله ورسوله منها براء،
وأشكره أخيرا وليس آخرا على ملامسته أحاسيس حميمة للمرأة والكثير من الرّجال يتجاهلها.
وإلى تغيير كثير من الأفكار والعادات والتّقاليد التي عفا عليها الزمن .